![](https://static.sabeel.co.il/pic/2013/8/7/sabeel-201383714215.jpg)
بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد أتقدم للطائفة الاسلامية بأحر التهاني والتبريكات راجيًا من العلي القدير أن يعيد هذه المناسبة على المغار بالسعادة والطمانينة والسلام.
لن أكتب هذه المرّة عمّا لا يوجد لدينا بل سأتغنى بكنوز ثمينة موجودة بيننا ، لا نقدّرها ولم نعطها وزنها الحقيقي .
إن المغار من أكثر البلدات التي بوركت بغزارة الفن والفنانين ، عندنا مجموعة كبيرة ومميزة جدًا من الأدباء والشعراء ، الرسامين والنحاتين والخطاطين والموسيقيين والمطربين والمسرحيين وغيرهم من المواهب .
عندنا التمثيل المحترم لكل مجالات الفن وبأعلى المستويات.
هناك نوعان من المجتمعات في العالم ، المجتمعات الحضارية التي تقدّر وتقيّم الفنون وتضع فنانيها في القمة تفتخر بهم وترفعهم أعلامًا في وجه البشر وهناك المجتمعات غير الحضارية والتي تتمحور فيها الحياة حول حاجيات الانسان الأساسية كالأكل والشرب ولا مكان للفنون.
إن ازدهار الفنون لا يقل أهمية عن ازدهار العلوم وعدم الاهتمام بالفنون وعدم الاكتراث بتطويرها يبقينا في أدنى مستويات الحضارة ويوصلنا الى أقصى درجات الإفلاس الفكري الثقافي والروحاني لنصبح محبطين خاملين نتجاهل كل عناصر الجمال والمحبة حولنا ونكتفي بالقليل.
قال نيتشيه : " إن الأديب والفنان كلاهما لا يرضى بالواقع ".
ويقول تشيكوف : " النبوغ الادبي معناه الشجاعة والعقل المتحرر والأفق الواسع ".
ويقول أديب آخر : " لم يحدث أن مجتمعًا واحدًا فقد احترامه لأدبه وفنه ثم أصبح مجتمعًا عظيمًا " .
تاريخ البشرية يثبت بأن المجتمعات التي احترمت وكرمت فنانيها ومجدتهم احتلت مكانة مرموقة في حضارة العالم وبقيت خالدة في عقولنا وسجلاتنا .
الفن أثر من آثار الأحرار لا من آثار العبيد ، الفن يبعث الأمل في نفوسنا والأمل معناه المستقبل . الفنان هو رجل حر لا يرضى العبودية ولا يقبل القيود ، الفنان هو مرآة البيئة التي يعيش فيها ، هو شخص يعيش لعصره ولبيئته لا يفكر بنفسه بل يحس ويشعر ويفكر بالناس .
إن الفنان يشبه أورفيوس الذي تحدثت عنه الأساطير الإفريقية والذي كان يسحر كل من نظر الى أعماله وكل من سمعه ينفخ في نايه السحري.
إن الفنانين في المجتمع هم عنصر الجمال ، المحبة والرقة وبدونهم نفقد البسمة والأمل وبدون الفن حياتنا فراغ لا نسمة فيه .
مغارنا تتزيّن بنخبة من الشعراء بكل ألوان الشعر ، عندنا عمالقة شعر ، مستوى وغزارة أشعارهم تضعهم في مستوى شعراء العرب والعالم أجمع ، بوركنا بالشعراء : سلمان دغش ، كمال ابراهيم ، حاتم جوعيه ، سليمان دغش ، معين شلبية ، نعيم عرايدة ، آمال قزل ، سليم عنتير ، ضرغام جوعيه ، سامر خير ، كمال شيني ، ورد عقل ، نور عقل ، محمد ابراهيم ، المرحوم شكيب جهشان والمرحوم هايل عساقلة .
صدى أشعارهم يصل أقصى العالم العربي ، تجرى لهم ندوات وتنشر عنهم دراسات وتحليلات ونحن في المغار تقصيرًا منا نسمع عنهم القليل ونسمع منهم الشيء البسيط .
لماذا لا تزخر حياتنا بالندوات الشعرية ؟ لماذا لا نبني الصالونات الأدبية ؟ لماذا لا نبني أسواقا شعرية ؟ لماذا لا يظهر شعراؤنا وأدبائنا أمام الطلاب في المدارس ؟ لماذا لا تدرّس كتبهم ؟ لماذا لا تزيّن كتبهم مكتبات المدارس وجميع المؤسسات التربوية في البلدة ؟
في المغار مجموعة رسامين ، نحاتين وخطاطين ، اعمالهم تضاهي أعمال مايكل أنجلو ، أوغوست رودين ، فان غوخ ومودولياني وغيرهم من عمالقة الرسم ، النحت والنقش في حضارة العالم على مر العصور.
عندنا العمالقة أمثال : حكمت خريس ، ناديا جابر ، نبيل عساقلة ، زوهر غانم ، شوقي خريس ، ذياب صلاح الدين ، كنان طربوش ، حسن طوافرة ، سليم عساقلة ، أمل سرحان ، سهاد عنتير ، سامي سرحان ، اسعيد سرحان ، فهيم فوارسة والمرحوم ياسر أبو زيدان.
التأمل باعمال هذه المجموعة ينقلك الى عالم آخر تستريح فيه ولا تسمع الا همسات الموسيقى التي تولد فيك طاقة غريبة .
إن لوحاتهم تبرز ريشة الفنان البارع القدير وتنقلنا الى الموقف الانساني الذي يصوره فنعيش المشاعر والاحداث كما شعرت عندما وقفت أمام لوحة الزهرة الذابلة التي رسمها حكمت خريس يوم فارقت والدته الحياة رحمها الله.
هؤلاء الفنانون يجعلون المعاني الرقيقة والموسيقى الهامسة تشع من اللوحات ، انهم يبتكرون الجمال في تماثيل هادئة ورقيقة وتكاد أن تنطق.
التأمل برسومات اسعيد سرحان يعيدك الى ماضٍ بعيد الى البيت القديم في الحارة لتشم الروائح وتسمع الأصوات وتحن لتراث عميق وعريق كنا قد دفناه ونسيناه .
واللون القروي وصور التراث المحلي نلمسها ايضا في رسومات الفنان حسن طوافرة الذي يعيدنا الى تحت الزيتونه ويغمرنا بروائح الحقل والوانه.
بوركنا ايضا بالخطاطين الذين ينقشون ويكتبون على الخشب والحجر وعلى المعدن ، ادخلوا الحروف العربية كعنصر رئيسي في الزخرفة ، في اعمالهم نرى الخطوط المتشابكة ذات النكهة الدينية.
عندنا الخطاطون المرحوم صقر غانم ، عصام بدر وغسان سكران وغيرهم .
إن رشاقة الحروف وأناقة رسمها في أعمال المرحوم صقر غانم تأسران العين ، اعماله تحمل جزءً منه وشيئًا من روحه مما يبعثنا على التفكير به والشوق اليه.
صقر غانم وعصام بدر استعملا اللغة العربية ، لغة الله ولغة الوحي ولغة أهل الجنة ، صقر غانم وعصام بدر انتجا بهدوء وتواضع وسكون ويكاد الكثير يجهلهما . وهذه هي أصالة الفن كما كتب أوسكار وايلد : إن المثل الأعلى في الفن هو أن يظهر الفن ويختفي الفنان.
الموسيقى ، الطرب والغناء من الفنون المميزة عندنا ، الموسيقى جزء من حضارتنا هي لغة تخاطب الجميع تحرك في النفس المشاعر والطرب تقربنا وتربطنا معًا بالغناء نكرم ونخلد أهم ما عندنا بالغناء ننشر حضارتنا.
بوركنا بالكثير من المطربين والموسيقيين عندنا المطربون في شتى الوان الطرب وعندنا العازفين على كل الآلات الموسيقية ، عندنا ملحنون وموزعون ، عندنا مدرسون وعندنا استوديوهات تسجيل.
لكثرتهم سوف لا أذكر الأسماء خوفا من أن اتجاهل بعضهم ، ولكن اسمحوا لي أن أتذكر المطرب الشاب بيان صالح خليل الذي فارقنا مبكرًا ، في ريعان شبابه وفي قمة عطائه وعظمته . كيف لنا أن ننسى هذا الصوت العذب الذي ما زالت امواجه تتراقص في سمائنا وتطرق آذاننا ، لماذا لا نخلد هذا الصوت ليترنم عليه كل من يعشق الطرب ؟ لماذا لا نخلد سيرة حياة بيان ليعرف عظمته كل من شاء ؟ لماذا لا يبقى صوته يداعب كل ما حولنا ؟
لن أنسى الزجل والزجالين أحد الفنون الشعبية المميزة فنانون يرتجلون الشعر بكل انواعه ، اشكاله وأوزانه وبكل مهارة .
عندنا الزجالون : كريم معدي ، بلال أبو غوش ، رفيق شباط ، حسام طريف وفهد خريس .
لماذا نسمع منهم القليل ؟ لماذا لا نحيي أمسياتنا بهذا الطرب الجميل ؟
عندنا الممثلون المسرحيون ظهورهم ينير كل مسرح ويشرفه ، عندنا الدكتور ضرغام جوعيه ، راضي شحادة ، عدنان طربوش ، نهد بشير ، رأفت خريس وموفق علي ، معًا قد يشكلون مدرسة بحد ذاتها .
تراهم يتألقون بالدراما والفكاهة وقدرتهم على الخلق والتأليف تدل على ذكائهم ومهارتهم .
الفكاهة هي عنصر طبيعي عند كل الشعوب وهي تخرج من القلب في عمل هؤلاء المسرحيين يوجد صراع ضد الحدود والقيود ، يقاومون بهدف التحرر من الضغوط . هم من وراء البسمة والضحكة على وجوهنا وهم المسؤولون عن شعورنا بالانفعال وباننا جزء من هذا العالم الثقافي الواسع.
ولكن ...
لماذا لا تحقق فنوننا الصدى الواسع ؟
عندنا الكثير لنقدمه الى هذا العالم الحضاري لنصبح جزءً مميزًا فيه .
علينا أن نجمع هذه الخلايا الفنية المبعثرة لنبني نسيجًا متماسكا نتباهى به امام العالم أجمع .
يجب أن نستيقظ لنلحق بقطار الحضارة السريع ، علينا أن نبني مركزا للفنون ليكون أحد أسس التكوين الحضاري المرتقب وليكون هذا المركز بيتا لكل الفنانين في المغار يديرونه بأنفسهم ويجعلوه مسرحًا فيه يعملون وينتجون وفيه يعرضون أعمالهم .
هذا المركز يجب أن يكون ايضا مكانا لإحياء ذكرى الفنانين الذين فارقونا بأجسادهم ولكنهم خالدون معنا بأعمالهم وبأصواتهم ، فيه نخلد سيرة صقر غانم ، بيان خليل ، ياسر ابو زيدان ، هايل عساقلة وشكيب جهشان وذلك لنعطي الفرصة لاجيالنا الجديدة بان تتعرف على أبنائنا الذين في مشوار حياتهم القصير استطاعوا أن ينتجوا الكم الكبير من الفنون .
هذا المركز سوف يكون أثرًا ثقافيًا وعلمًا فنيًا يأتي اليه الزوار من أنحاء البلاد والعالم أجمع .
هيا نعطي الفنانين احترامهم لأنهم بهذا سوف يرفعونا الى قمة الحضارة.
إن بناء مثل هذا المركز موجود في قمة جدول أعمالي .