إن السلطات المحلية في اسرائيل بشكل عام وفي الوسطين العربي والدرزي بشكل خاص تعاني من أزمات مادية شديدة العسر. ومعوقات كثيرة وإشكاليات جمة تحول بينها وبين أداء واجباتها للمواطنين.
وقد وقعت السلطات المحلية بين المطرقة والسدان فالسلطة المركزية تضغطها وتشدد الحصار عليها وتنظر الى السلطة المحلية كمقاول –קבלן משנה- لدى السلطة المركزية لجباية الضرائب وإعطاء الخدمات والفصل بين المواطن والسلطة المركزية والمجتمع الذي لا يدفع ما يتوجب عليه دفعه ، ولهذا يزيد في ضائقة السلطة المحلية وعرقلة قيامها بمهامها تجاه المواطنين ، وبهذا فالمواطن غير راض عن أداء السلطة المحلية ويعتبرها مقصرة تجاه المواطنين وبهذا تصاب السلطة بمرضين الأول العجز المالي والثاني العجز الديمقراطي فالسلطة عاجزة عن جباية الضرائب من المواطنين وعاجزة عن أداء مهامها ومسؤولياتها تجاههم فتصبح شبه مشلولة ، وربما خضعت السلطة لرقابة أو عقاب السلطة المركزية والمحاكم بسبب مخالفتها للقانون مجبرة وعدم قيامها بواجباتها تجاه المواطنين ووظائفها تجاه السلطة المركزية وتتركز المسببات للشلل النصفي الذي تعاني منه السلطات المحلية حسب رأي المهنيين اللذين قاموا بدراسة الأوضاع التي آلت اليها السلطات المحلية في السنوات الأخيرة بما يلي:
1- الموارد الرئيسية والأساسية يسيطر عليها الحكم المركزي وليست في أيدي السلطة المحلية فالدولة أو الحكومة بمؤسساتها تسيطر على الأرض بالرغم من أن ملكيتها للمواطنين وربما كان هذا عاملا معيقا أيضا . وهي المسؤولة عن الإدارة والتخطيط وهذا تحت صلاحيات وزير الداخلية الذي يقرر مناطق النفوذ والخارطة الهيكلية وهي تسعى لتقليص المجال والحيِّز الذي تديره السلطة المحلية مما يقلص امكانيات التطور ويمنع أو يعيق البلدة من التطور والتقدم اقتصاديا محاولة بذلك استمرار تبعية المجتمع للسلطة المركزية وتعلقه بها.
2- ثقافة المجتمع:
ان مجتمعنا يمر بحالة انتقال من القرية والعيش القروي الى التمدن ألقسري. المجتمع ضعيف ومستضعف اقتصاديا وقدرته واستعداده لدفع التزاماته للسلطة المحلية محدودة. وبالرغم من الحضارة والثقافة المكتسبة التي نتلقاها من خلال التعليم الثانوي والعالي ومن خلال مخالطتنا للمجتمعات الاخرى إلا أن التقاليد والانتماءات القبائلية العشائرية العائلية الحمولية ما زالت مترسخة فينا وتشكل عائقا كبيرا بيننا وبين الارتقاء الى شاكلة المجتمعات الغربية. فبالرغم من محاولة الديمقراطية وحرية الانتخاب إلا أن هذه الديمقراطية ما زالت مشوَّهة وبعيدة عن الديمقراطية الحقيقية فبالرغم من ثقافتنا وحضارتنا إلا أننا ما زلنا نخضع الى ذهنية وثقافة وسلوكيات تنتج توترات وصراعات بين المواطنين حسب الانتماءات العائلية الحاراتية أو الطائفية. إن البنى الاجتماعية التقليدية الى جانب الاطماع التي تسعى الى تحقيقها بعض القيادات المحلية قد تؤدي الى وصول قيادات غير رشيدة الى سدة الحكم المحلي فتزيد من معاناة المواطنين وتحدث نزاعات داخلية من أجل المحافظة على مصالحها والوصول الى السيطرة.
3- السلطة المحلية تتركب من جهازين:
أ- الجهاز السياسي وهو الرئيس وأعضاء المجلس المنتخبين.
ب- الجهاز الإداري المهني وهو الموظفين مع اختلاف مراكزهم ودرجاتهم ولا أقصد من الناحية المالية وإنما من الناحية المهنية والصلاحيات.
وهذان الجهازان يجب أن يعملا بشكل متناسق متوافق لكي نرتقي بعملية الأداء الى أعلى المراكز واستنفاذ جميع الطاقات الموجودة والعاملة. ولكن هذا بعيدٌ عن الواقع وذلك لأنه: لأغلب المواطنين ومنتخبي السلطة ارتباطات عائلية فئوية تعيق أدائهم كسلطة وينوبهم الاحراج في تطبيق النظام والقوانين خاصة فيما يتعلق بدفع الضرائب ومصادرة الأراضي للمصلحة العامة وكذلك فإن العلاقة الحميمة بين المنتخبين ابناء حمائل معينة وموظفين ينتمون الى نفس العائلة قد تؤدي الى تشابك او محو الادوار. فيعمل الموظف كسياسي والسياسي كموظف ويصبح الموظف من متخذي القرار السياسي وليس المهني وقد يؤدي هذا الى حالة التوتر بين الموظفين انفسهم وبين السياسيين من فئات اخرى وربما يتصاعد هذا التوتر ليصل الى درجة المحاسبة الشخصية والانتقام بشتى الوسائل مقابل تفضيلات غير مبنية على أساس مهني او على أساس الأداء الوظيفي وهذا مما يؤدي الى شلل في أداء السلطة ويقلل من دافعية مديري الأقسام والموظفين لأداء مهامهم. وهذا يؤدي الى ازمات وعجز مالي إنتاجي أدائي وديمقراطي. وهذا كله بسبب الخلط بين الأدوار السياسية والمهنية.
من هذا كله نفهم أن الأوضاع الصعبة التي تعاني منها السلطة المحلية ناتجة عن أسباب متعددة متشابكة وحتى نبدأ بإزالتها علينا أن نؤمن بأن الأمر ليس مستحيلا .
أن نحدث تغييرًا جذريًا في الهياكل وفي الثقافة الإدارية المعمول بها في السلطة المحلية ، وهذا يشمل مبنى ، تركيب ، أداء ودافعية الهياكل الإدارية الوظائفية العاملة والمنتَخبين السياسيين ، فإن زيادة وعي هؤلاء لدورهم وأدائهم لعملهم بشكل يليق بمؤسسة رسمية أمر مهم ورئيس وكذلك فإن تغيير ثقافة المجتمع وأفراده وتخفيف عدائهم للسلطة المحلية وتعاملهم معها كسلطة جاءت لتخدمهم من خلال المبادرة لدفع مستحقاتها عليهم والتزاماتهم نحوها .
من هنا يجب علينا العمل متسلحين بالوعي لواقعنا وأن نرصد قدراتنا وطاقاتنا للعمل على زيادة وتعزيز فرص التنمية وتخطيط برامج عمل تطبيقية لتعميق الانتماء وتجاوز التجزئة والتبعية لتحويل السلطة المحلية الى حكم محلي شبه مستقل وليس مقاولا لدى وزارة الداخلية .
كل هذه الاسباب التي ذكرت أعلاه تعيق لا بل تؤدي الى شلل او شلل نصفي في أداء كل فرد لما هو ملقى على عاتقه. وهنا يأتي دور الرئيس المنتخب في قدراته ومهنيته وهل هو قادر على التوفيق بين كل ما ذكر أعلاه وأن يصل الى موازنة عامة معدومة العاطفية والانحيازية الفئوية وهل يملك القدرات التي تمكنه من السير في حقل الألغام دون الوقوع والاصطدام بهذه العوائق. وهل يمكنه أن يرتقي بنفسه وفكره فوق المحسوبيات ، فوق العائلية ، فوق المصلحة الانتخابية ويعمل بمهنية تامة مطلقة مجردة من كل ما ذكر أعلاه نحو الصالح العام واضعا الصالح العام فوق كل الاعتبارات الأخرى.
اذا استطعنا ان نوَفَّق في اختيار الشخص الذي سيبدأ بالعمل من يوم انتخابه من أجل المغار والمصلحة العامة متناسيا كل العوامل الأخرى الفئوية والمصلحجية الفردية والجماعية ومتناسيا أنه ربما يخوض الانتخابات مرة أخرى عاملا للجميع وحسب حاجيات المجتمع وفق اعتبارات مهنية فكرية. إذا نجحنا في هذا فهنيئا للمغار فهي على الطريق الصحيح.
ملاحظة: معتمد على كتاب البروفيسور راسم خمايسي "دراسات لأوضاع السلطات المحلية".