رحل عنا العم والأخ والصديق جهاد رشيد خليل، أبو عاهد. وقبل أن يوارى جثمانه إلى مثواه الأخير بعد ظهر اليوم، بعد أقل من ساعة من الآن، رأيت أنه من الواجب كتابة هذه الكلمات، تعبيرا عن وفائنا لهذا الراحل الفقيد وإيفاء ببعض بل بالنزر اليسير من حقوقه علينا جميعا. ... لم أسأل أبا عاهد يوما عن عمره. فقد كان صديقا حميما لوالدي المرحوم، وكان صديقا لي، وللآلاف من أبناء المغار والقضاء وما بعد القضاء، مشايخ وشبانا وأطفالا. كل ذلك دون ذرة من التمييز والتفرقة على أساس الانتماء الطائفي أو العائلي أو أي نوع من أنواع التمييز. ... أتاحت لي الظروف، خلال الشهر الأخير، أن أزور أبا عاهد مرتين؛ مرة في بيته بعد جراحة صعبة مر بها، ومرة قبل أسبوعين في مستشفى رمبام في حيفا، أيضا بعد جراحة عسيرة. وكان، على الرغم من الجراح والمعاناة، يردد أن: الحمد لله ثم الحمد لله. وذكر لنا أصدقاء له، من كل الطوائف، من المغار وعيلبون وطرعان وغيرها، ممن زاروه وآزروه وساندوه، مثل يفعل الأخوة والأشقاء، في درب الآلام التي عبرها بصبر ورضى تسليم، منذ سنوات طويلة. وكان يؤكد واجب احترام الناس جميعا والعمل بالقيمة العليا: "لا تفعل لغيرك ما لا ترضاه لنفسك". .... وفوق ذلك، كان يتحفنا، رغم ألمه ووضعه الصحي، بفكاهاته التي يسردها بطريقة أفضل من أبرز النجوم. فوالله لو أتاحت له الظروف لكان بذر الابتسامات والفرح على وجوه وفي قلوب مئات الملايين. ... ولعل أكثر ما اشتهر به فقيدنا أبو عاهد، هو خفة الدم. كأنها ريشة عصفور، وسرعة البديهة، كأنها رفة فراشة، وتحويل كل موقف إلى فكاهة ترسم البسمة على وجوه الناس. إن شخصا، يتناقل عنه الناس آلاف الفكاهات الطيبة والذكية والمرتجلة، وقد أفرح عشرات الآلاف بخفة ظله وذكائه السليقي، يستحق أن ندعو له بالرحمة. وشخص مثل أبي عاهد، بهذا التراث الشخصي والشعبي الكبير، سوف تنقل حكاياته إلى مئات الآلاف من الأجيال الشابة واللاحقة، فيرسم لوحة هائلة من الابتسامات، الملونة بالفرح الحقيقي. . .... إنه، باختصار، واحد من أعمدة تراثنا الطيب. ... سلام عليك يا أبا عاهد. وأرجو أن تحجز لنا مكانا إلى جانبك في جنات الخلد. فرفقتك، بحد ذاتها، جنة صغيرة.
ملاحظة : بطلب من صاحب كلمة الرّثاء لن يتم نشر تعقيبات.