بسم الله الرّحمن الرّحيم
وكعادتها , في اليوم العاشر من أيلول في كل عام , تلتقي جموع الطائفة الدرزية من كافة القرى، في باحة مقام سيدنا سبلان عليه السلام في حرفيش، بغية القيام بالواجبات والشعائر الدينية إحياءً لذكرى هذا النبي الكريم , حيث نتوجّه إلى المقام الشريف مُزوَّدين بالتقوى والإيمان، يحدونا الأمل والرجاء، في طلب المغفرة والرحمة من العلي القدير، مبتهلين دائما إلى الله سبحانه وتعالى، أن يحفظ جميع أبناء الطائفة الدرزية، ويصون كرامتهم ويرعاهم. وهذه الزيارة، كباقي الزيارات للأماكن المقدسة، تقرّب الإنسان من مقدساته، وتحتوي على رسالة دينية تثقيفية تربوية للأجيال الصاعدة، تدعوها إلى التمسّك بالتراث والتقاليد والعادات، والحفاظ على المقدسات والأماكن الدينية، كعاملٍ لوحدة الصف في الطائفة، ولتهذيب النفوس، والسعي إلى عمل الخير والقيام بهِ.
ما من شك أن في أنهُ في كل لقاء بين الإخوان، تزداد أواصر الإلفة والمحبة بين المجتمعين، ويتمّ الاتصال المباشر بين جميع أبناء الطائفة ، حيث يتم اللقاء والتباحث والتداول في أمور مشتركة، وفي قضايا عالِقة، لها أهمية بالنسبة للجميع، إضافة الى إقامة الشعائر الدينية والطقوس المُتعلقة بالزيارة , وخاصة في هذه الأيام والظروف التي تمرّ بها الطائفة الدرزية في البلاد، وتحاول فيها الحصول على ما ينقصها من حقوق، وتحديد مكانتها، وتحسين أوضاعها، والمحافظة على أرضها، وتثبيت أركانها. كما وتواجه الطائفة خارج حدود بلادنا، أخطارا مصيرية، ومواجهات شديدة، تتطلب منا أن نكون على أهبة الاستعداد، لأي دعم أو سند يمكننا تقديمه، إذا وقع أي خطر, لا سمح الله، على إخواننا هناك. إن الحرب الأهلية التي يمرّ فيها المواطنون عامة في الجمهورية السورية، والأوضاع غير المستقرة التي تواجه مواطني الجمهورية اللبنانية، تجعلنا دائما في ترقّب، وفي تأهّب، لنرى ماذا سيحدث وكيف ستسير الأمور.
ومن هنا، ومن مقام سيدنا سبلان عليه السلام في حرفيش، هذه القرية التي كانت وما زالت، أقرب القرى الدرزية في البلاد إلى التجمع الدرزي في سوريا، والتجمع الدرزي في لبنان، والتي كانت خلال مئات السنين، تتم عن طريقها، كافة الاتصالات بين دروز الكرمل والجليل، والدروز هناك. من هنا، وفي عيد سيدنا سبلان (ع) نضرع إلى حضرة العلي القدير، أن يحمي إخواننا هناك، وأن يذُد عنهم، وأن يستمرّوا في حياتهم، شامخين رافعي الرؤوس كما عهدناهم منذ مئات السنين. ونكرر قولنا، إننا مهيّأون دائما، لتقديم كل ما يُطلب منا، وما نستطيع فعله، من أجل دعمهم والمحافظة عليهم، وتقديم كل ما يمكن لهم. وكلنا أمل، أن تهدأ الأمور وتستقرّ، وأن تعود المياه إلى مجاريها، وأن تتوفر الحلول للأزمات هناك بالشكل الذي يرضي جميع الأطراف والطوائف ، ويحافظ على سلامتهم وكرامتهم.
وفي هذه المناسبة، أتوجّه إلى أبناء الطائفة الدرزية في البلاد، وخاصة إلى الأجيال الصاعدة، حاثًّا إياهم على سلوك طريق العلم والدراسة، وإعداد أنفسهم للمستقبل، والتكيّف مع المتغيّرات التكنولوجية المتطورة، ودراسة كافة التقنيات الجديدة واستعمالها في حياتهم اليومية لما فيهِ مصلحة الطائفة ومصالحهم الحياتية، وانتهاج طريق العلم والتحصيل الأكاديمي، والإخلاص في كل عمل يقومون به من اجل الوصول الى أعلى المراتب والدرجات في أي مكان يتواجدون فيه. وفي نفس الوقت، أتوجّه إليهم جميعا، للمحافظة على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، والقيم الأخلاقية والاجتماعية التي ورثناها عن آبائنا وجدودنا، والتي حافظت علينا خلال ألف سنة، كطائفة مميزة لها تراثها وفضائلها وكيانها. ونحن نبارك كل خطوة، وكل عمل، تقوم به أي مؤسسة في الطائفة، أو أي فرد من أجل إحياء التراث التوحيدي العريق، وتطبيق المبادئ المعروفية الشريفة، وبث التوعية التوحيدية، وزرع بذور الأخوة والتعاون بين جميع أفراد المجتمع، بحيث نحافظ دائما على الشخصية الجماعية الراقية الشامخة التي تميّزنا بها في كافة العصور.
مِن هذا المقام الشريف , وفي هذه المناسبة الطيبة , أحيي جميع أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان، وأتمنى للزوار زيارة مقبولة، ، والتوفيق والنجاح في كل عمل ومسعى يقومون به يرضي الله, وكل عام وأنتم والجميع بألف خير.