بسم الله الرحمن الرحيم
أهل التوحيد سباقون للتضحيات
نحتفل في هذه الأيام بحلول عيد الأضحى المبارك، كمناسبة دينية ودنيوية على حدٍ سواء، ولا توجد مناسبة كهذه المناسبة، تجمع بين أبناء البيت التوحيدي، أخويا واجتماعيا ودينيا، حيث يتردد المشايخ الأفاضل خلالها على بيوت الله (الخلوات) في ليالي العشر المباركة، فيؤدون الصلوات والفروض الدينية بتقوى وإخلاص وإيمان، وكذلك الشباب وجمهور غير المتدينين، أثناء السهرات في ليالي العشر. وعندما يحضر ذلك الجمهور غير المتدين، يبتهج لسماعهِ قصص الوعظ الشيّقة وللأناشيد الروحانية، ويسعد بالجو القدسي العام الذي يسود هذه السهرات. فيخرج منها مُنتشياً بالإيمان والتقوى وحب الله وأنبياءه الكرام. لذلك لا ينحصر جو الورع الروحاني على المتدينين فقط،، وإنما ينعكس على جميع سكان قرانا جميعها، وهذه بادرة طيبة نشكر الشباب والإخوان غير المتدينين لإقدامهم عليها واهتمامهم بها، عسى أن يكون في ذلك محفّز لهم يحثهم على الانضمام لاحقاً لرجال الدين.
هذا الجو المنعش للروح البشرية، الذي يسود كافة قرانا، قبل حلول عيد الأضحى المبارك، يرفع المعنويات ويُعزز الثقة بالنفس، ويطفي على العامة الإحساس بالتواجُد في أيام غير عادية، وغالبا ما يسود قُرانا في هذه الأيام الهدوء والنظام والأمان، بفضل الجو الديني الذي يلفنا بنسائمهِ العطِرة، وعندما يخرج المصلون من الخلوات تمتلئ الشوارع بهم، وتتحول القرية بأكملها إلى محفلٍ دينيٍ كبير. ونحن، رجال الدين، يهمنا دائما التواصل والتحاور مع غير المتدينين من أبناء الطائفة، حيث نقدّر فيهم غيرتهم على طائفتهم التي هي بأمس الحاجة اليهم، ولطالما شعرنا بالغبطة والسرور عندما كنا نرى مجموعات من أبناء الطائفة، من غير المتدينين، مستعدة لأن تقدم كل تضحية من أجل الطائفة والمجتمع برمته.
إن هذا أمر ليس بالأمر الجديد على الطائفة الدرزية، فقد برهنت على مدى التاريخ، استعدادها للتضحية من أجل كيانها، وإيمانا برسالتها وبما حباها الله، سبحانه وتعالى، من إمكانيات وقدرات وعقل وحكمة، وها هم أبناؤها يبذلون الغالي والنفيس، في سبيل المحافظة على كيانها وتحقيق أهدافها، وبذلك تُحقق الرفعة والكرامة لأبنائها، وهذه ظاهرة درزية تبرز في كل زمان ومكان، وما زالت تجمعنا روابط مشتركة، وأوصال متينة، وعلاقات أخوية قوية. وقد تعود كل موحد درزي منذ القدم، أن يكون جاهزا للتضحية وللعمل والكد والجهد والجد في سبيل رفعة شأنها، وقد زرع الإيمان بالله وبالتوحيد في النفوس الشعور بالعزة والكرامة، والترابط التوحيدي الكبير. والدروز سباقون بطبيعتهم إلى العمل والمشاركة والتضحيات، مِن جهةٍ، والى التعبير عن نواياهم الطيبة، واستعدادهم لخدمة الآخرين، مِن الجهةِ الأخرى، لأن ذلك مغروس في نفوسهم وهو طبعٌ وليس تَطَبُّعٌ، وليس مِن باب الطمع في شيء.
إخواني , لا يخفى على أحد أن الطائفة الدرزية تواجه في هذه الأيام، مشاكل وتحديات وعدم استقرار، خاصة عند إخواننا في سوريا ولبنان. ونحن هنا، بإمكاننا أن نستغل الليالي المباركة وأيام العيد، لنبتهل إلى الله، سبحانه وتعالى، أن يحميهم ويزيل الكروب عنهم، وأن يخفف وطأة هذه المحنة عليهم. ويمكننا كذلك أن نفكر بتخصيص قسطا من مصاريف العيد، لدعم الإخوة والأخوات الذين يعانون كثيرا في هذه الأيام القاسية، وقد شحت عليهم موارد العيش، وأماكن العمل، وضُيِّق حولهم الخناق, وهذه الأيام المباركة، هي الفرصة الحسنى لتقديم أي دعم لهم، مهما كان يسيرا. ونحن طبعا نشكر كل أبناء الطائفة الذين تبرعوا بالسابق من اجل الأهل في سوريا، ونتمنى للجميع هناك أن تعود إليهم أيام الهدوء والاستقرار، وأن يرجعوا لمزاولة أعمالهم كما كانوا، ونقول لإخوتنا هنا، إن الله، سبحانه وتعالى، يسجل لهم كل عمل يقومون به، وكل تبرع وكل تضحية، ونسأله تعالى أن يعوض عليهم أضعاف أضعاف ما قدموه، وهذا العمل هو من أصول وأسس دين التوحيد، وبالله المستعان .
قال تعالى في كتابه العزيز : " واعملوا فسيرى الله عملكُم ورسوله والمؤمنون " وقال سبحانهُ : " ومن عمل مثقال ذرة خيراً يره ومَن عمل مثقال ذرةٍ شراً يره " .
خِتاماً، ونحن نعيش عصر العولمة بحسناتهِ وسيئاتهِ، لم يبقى لي سوى أن أدعو كوادر أبناءنا وبناتنا الأعزاء، أبناء الأجيال الصاعدة، الى أن تُحافظ على القيم والمبادئ والسلوكيات الحسنةِ، والأصول التوحيدية المتبعة والتي حافظت على كيان الطائفة على مدار مئات السنين، وأن نعمل بها، وأن تتزود بالعلم والثقافة والمعرفة، وأن تسعى لبناء نفسها ومستقبلها ومجتمعها على أسس سليمة، في ظل التعاليم التوحيدية الطاهرة، التي طالما فاخرنا بها وافتخرنا أمام كل مَن عرفنا وجاورنا مِن أبناء الطوائف والشعوب الأخرى ..
أعادهُ الله علينا وإياكم عيداً مُباركاً وكل عام وأنتم بكل خير.