ثورة 23 يوليو وعلاقة قائدها بالأدب والأدباء

تاريخ النشر 22/7/2009 22:48

بقلم: زياد شليوط 

طه حسين، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، يوسف السباعي، احسان عبد القدوس، يوسف ادريس، محمود أمين العالم، د. نوال السعداوي، جمال الغيطاني، صلاح عبد الصبور، أحمد عبد المعطي حجازي، أمل دنقل، أحمد بهاء الدين، رجاء النقاش، يوسف القعيد، عبد الرحمن الأبنودي، صلاح جاهين وغيرهم،  كوكبة من الأسماء اللامعة في عالم الأدب من رواية وشعر ومسرح، ظهرت ولمعت وانتشرت بعد ثورة 23 يوليو 1952، تلك الثورة البيضاء المجيدة التي قادها الخالد جمال عبد الناصر، على رأس كوكبة من العسكريين من الضباط الشباب في الجيش المصري، تحت اسم "الضباط الأحرار"، ومعهم قيادات الجيش وحازت على تأييد الشعب المصري بملايين فلاحيه وعماله ومثقفيه.

ولدى مراجعة أسماء الأدباء والشعراء وكذلك النقاد والباحثين نعرف أن الحراك الثقافي في مصر بلغ قمته في عهد الثورة وخاصة فترة حكم عبد الناصر، عندما بعثت هذه الثورة في نفوس الشعب الامال وحققت الأماني التي طالما تاق لها الشعب، وعبر عنها الكتاب والشعراء وانعكست في نتاجاتهم.

ورغم ذلك خرجت أصوات ممن حصلت على الأوسمة وحرية الكتابة والنشر، لتطعن بتلك الفترة الذهبية وتجحد أفضال "الريس" عليهم. وساهم أعداء الثورة بالترويج لكذبة التقييد على الأدباء ومحاربة حرية الرأي والتفكير في عهد الثورة، متجاهلين حقيقة أن أهم الأعمال الأدبية والفكرية والفنية ظهرت في تلك الفترة وبرعاية الدولة وما يؤكد أن ذلك العصر كان العصر الذهبي للأدب والثقافة، هو التدهور الذي طرأ على الحركة الأدبية والفنية في مصر بعد رحيل عبد الناصر، وتولي حكام  محكومين وليسوا حاكمين شؤون مصر العزيزة والكريمة، وما الحالة السائدة اليوم من فن هابط وفكر ركيك وأدب بلا هوية- مع وجود استثناءات- ما هي الا استمرار لهذه الحقبة البائسة من تاريخ مصر.

وهناك عشرات الأكمثلة التي تثبت أن الثورة وعلى رأسها عبد الناصر وقفت الى جانب المبدعين ودعمتهم سواء بنشر نتاجاتهم أو بتوزيع الأوسمة والجوائز عليهم تقديرا لعطائهم الفكري والثقافي، وكذلك شهادات الشعراء والكتاب، الذين لم يجدوا سوى عبد الناصر نصيرا لهم أمام حملات التضييق عليهم، وسندا لهم لنشر أعمالهم التي تحمل نقدا للنظام الذي يقف على رأسه عبد الناصر نفسه، على عكس ما يشيع أعداء الثورة وناصر أنه كان حاكما استبداديا ويقمع حرية الفكر والرأي.

ربما يأتي كتاب الأديب يوسف القعيد " محمد حسنين هيكل يتذكر: عبد الناصر والمثقفون والثقافة" الصادر عن "دار الشروق" المصرية عام 2003 كوثيقة ثقافية وحيدة تقريبا، تتحدث وبتوسع عن علاقة الزعيم عبد الناصر بالمثقفين والثقافة وبالأدب والأدباء خلال فترة حكمه، ويقدم بانوراما للواقع الثقافي في عهد عبد الناصر من خلال شهادة الرجل الأقرب الى عبد الناصر ومن خلالها ينقض كل الافتراءات التي جاءت ضمن الحملة الحاقدة على عبد الناصر خاصة بعد وفاته والتي حاولت عبثا النيل من سيرته وسمعته ومكانته، وعادت تجرجر أذيال الخيبة، فيقول هيكل أن أهم الأعمال الأدبية لكبار أدباء مصر صدرت وانتشرت في عصر عبد الناصر الذي نعتوه بعصر "الدكتاتورية". ولم يكن ذلك غريبا على عبد الناصر الذي اهتم بالأدب وقرأ الأعمال الأدبية للأدباء العرب وكذلك الأجانب وكانت له علاقات وطيدة بهم واهتم أن يلتقيهم، حيث استقبل الأديبين الفرنسيين الكبيرين سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر لدى زيارتهما مصر.

ومن أبرز المواقف التي كانت لعبد الناصر نصرة للأدباء رفضه الشديد لقرار عزل توفيق الحكيم من عمله في مؤسسة "الأهرام"، بعيد قيام الثورة بذريعة كونه من رموز العهد الملكي الفاسد، ووقف عبد الناصر الى جانبه وأبقاه في مركزه، كما منحه وشاحا لا يستحقه سوى رؤساء الدول تكريما له واعتزازا بمكانته الأدبية، وجاء رد الجميل من قبل توفيق الحكيم بعد رحيل عبد الناصر كتابه البائس "عودة الوعي" الذي أعلن من خلاله فقدانه لوعيه الوطني والانساني بالتهجم الحاقد والساقط على الزعيم الكبير، فمات بعدها توفيق الحكيم وبالكاد يذكره أحد رغم نتاجه الأدبي الغزير، وبقي عبد الناصر حيا في ذاكرة الجماهير والشعوب من مشارق الأرض إلى مغاربها، وشهدنا كيف عاد عبد الناصر الى الحياة في السنوات الأخيرة في أمريكا اللاتينية من خلال رؤساء شجعان وفي مقدمتهم الرئيس الفنزويلي شافيز.

والموقف الآخر مع الشاعر العربي الكبير نزار قباني، هو أبرز وأوضح مثال على رؤية عبد الناصر الديمقراطية والمتسامحة للأدب، على عكس ما اعتقد الساذجون وروج المتآمرون، ففي الوقت الذي تعرض فيه الشاعر العربي الكبير الى حملة ظالمة بعد نشره لقصيدته "هوامش على دفتر النكسة" ومنعه من دخول مصر ونشر قصيدته فيها، لم يجد من سند له إلا عبد الناصر، الحاكم المجروح بالهزيمة العسكرية، والمنشغل بكل جوارحه بقضية اعادة بناء القوات المسلحة والتخطيط لاسسترداد الكرامة العربية، وبعدما قرأ عبد الناصر رسالة نزار له أصدر أوامره بنشر القصيدة واستقبال الشاعر وتكريمه في مصر. وهذه الحادثة يرويها هيكل للقعيد، لكن نزار يرويها بالتفصيل وبحرارة في كتابه "قصتي مع الشعر" في فصل "حزيران والشعر" ويقدم للحادثة بالقول " أجد أن الأمانة التاريخية تقتضيني أن أسجل للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، موقفا لا يقفه عادة إلا عظماء النفوس واللماحون والموهوبون الذين انكشفت بصيرتهم وشفّت رؤيتهم، فارتفعوا بقيادتهم وتصرفاتهم إلى أعلى مراتب الانسانية والسمو الروحي." (نزار قباني- الأعمال الكاملة، المجلد السابع)

هذا هو بلمحة عاجلة، الرئيس المتميز والمتفرد بين الرؤساء العرب في مختلف العصور، ومن زاوية واحدة وهي علاقته بالأدب والأدباء في مرحلة تميزت بالتقلبات السياسية والعواصف الدبلوماسية والتحركات العسكرية، ورغم كل ذلك لم يهمل الجوانب الانسانية والثقافية، ووقف أمام التحديات الحضارية ولهذا حاز على ثقة ومحبة الأدباء والمثقفين والفنانين، ولم يذهب الأستاذ أنيس الدغيدي بعيدا في قوله "لم يدن زعيم أو سياسي عربي وربما عالمي من مكانة عبد الناصر في أوراق الشعر والشعراء"  ( هدى عبد الناصر: شاهدة على عصر جمال عبد الناصر، أنيس الدغيدي ص407)

وتأكيدا لذلك يورد د. محمد حُوَّر في كتابه "بكاء رمز" ( الصادر عن " المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت عام 1997) احصائية بمجهوده الشخصي، بينت أن عدد قصائد المراثي التي نظمت في الزعيم بعيد رحيله بلغت 79 قصيدة نظمها 76 شاعرامن ثمانية أقطار عربية، نشرها في كتابه المذكور مع تعليقات ومدلولات لتلك القصائد التي قيلت في عبد الناصر بعد رحيله المفاجيء، دون التطرق للقصائد التي كتبت عنه في حياته. وكان قد سبق هذا الكتاب صدور "كتابات على قبر عبد الناصر" وهو مجموعة قصائد لشعراء معروفين في الوطن العربي، صدر عن "دار الأسوار" العكية بعد وفاة عبد الناصر بسنوات قليلة (لم يثبت عام الاصدار)، وكتب مقدمته الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي متحدثا عن التقاء عبد الناصر والشعر بأن الاثنين يخاطبان الأمة، ويضيف " من هنا كان عبد الناصر كثورة وكرجل موضوعا نموذجيا للشعر الجديد. موضوع نموذجي، لكنه غير تقليدي." (ص8) ولم يدخل في ذلك الاحصاء ديوان الشاعر اللبناني طارق ناصر الدين والذي يضم 25 قصيدة جميعها في عبد الناصر، بعنوان " العائد من كل الأشياء" الصادر عن "مكتبة مدبولي"في القاهرة عام 1996، والتي نظمها الشاعر حبا بالقائد العربي الكبير ومواقفه الصلبة ويقول في مقدمته " ومرت خمس وعشرون سنة، وما زلنا أسرى لحب نحن اخترناه، ولعهد نحن قطعناه وكان مرور الزمن تزكية لهذا الخيار. ذقنا مرارة الهزيمة، وأطايب النصر، وكان عصره في الحالتين "عصر الرؤوس المرتفعة": وجربت الأمة سواه فوصلت الى عصر الرؤوس المنخفضة الى ما دون التراب." (ص9و10)

وسنبقى نعد السنوات، فاليوم بعد 90 عاما على ولادته وبعد 57 عاما على قيام الثورة وبعد 39 عاما على رحيل القائد جمال عبد الناصر، نعود ونذكر بتلك الحقائق الساطعة، وبأن العرب يفتقدون لقائد في قامة عبد الناصر، ولعهد مثل عهد عبد الناصر، لكي يعودوا ليرفعوا رؤوسهم دون خجل أو شعور بالنقص.

(شفاعمرو)

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2441
//echo 111; ?>