بقلم : مروة خالد السيوري
سيرة العقـرب الذي يتصبب عرقا...والعقرب لا يعرق كونه لا يشرب،اذن فكلمة عقـرب قصد بها عقرب الانسان أم عقرب المكان أم عقرب التاريخ والزمن الذي نحيا به ،سيرة،اذن هي سيرته فهو العقـرب ،أكرم مسلّم ألقى بالسم والعقرب على نفسه مع بعض الخيوط المتشابكة بأماكن وأشخاص أخرى،فهي بحال أو بأخرى سيرته الذاتية،مقرونة بعلاقات اجتماعية ومكانية وتعقيدات نفسية يدخل بها القارئ وسط الفراغات التي تركها لنا
الكاتب ،وتلك الاستفسارات التي يتساءل عنها،فهو يجبرنا على التساؤل في روايته على التفكير بهذه الفراغات ومحاولة ملئها،حتى لو كان مستحيلا أن نملأ فراغا مرهقا ما بين رجل مبتورة وموطئ قدمها( ولدت في 29شباط العام 1972، وهي سنة كبيسة لا تنعاد سوى مرة واحدة كل أربعة أعوام....)ص20
ونحن عندما نتجول في رواية أكرم مسلّم لا نرى روائيا فحسب،بل ناقدا يحاول تطبيق الأسس النقدية على نفسه وروايته قبل غيره ،ويترك الحكم على الرواية للنقاد، فهو لا يقيّم نفسه رغم ثقته بابداعه وبما كتب ،(السرد خطير ،خطير جدا،لا بد من أقنعة وازاحات عموما،كذب يعني.والسرد حبكات ،تغيير القاعة الى صالة ،...........)ص52
وقد عزز الكاتب روايته بالكثير من القصص الشعبية التي نثرها في روايته ،وذلك ليدلل على بعض الأمور، فتلك القصص رموز مجازية لمشاكل نعاني منها في حياتنا في هذا الوقت ، وقصص أخرى أكثر ألما مثل تلك التي رواها الأسير المحرر صديق الكاتب عمّا قاساه في سجون الاحتلال الاسرائيلي ،فها هو الكاتب والروائي يتطرق الى موضوع الاحتلال والعلاقات الاسرائيلية الفلسطينية كأفراد بشيء من الموضوعية والحيادية،بالرغم من الحقد والكره الذي يكنه في صدره للاحتلال ،لكنه أراد أن يصف علاقته هو بالمكان بعيدا عن أي ضغوط داخلية.
(وضعني التفجير على محك هربت منه طويلا ،أردت عزل تلك البقعة عن محيطها،سحبها من نسيج ذكرياتها الأخريات،أردت الاحتفاء بزمني الشخصي هناك، أو أنني أردت فهمه والتعمق فيه ،وسرد حكايتي أنا فيه،علاقتي المنفصمة معه على طريقتي....)ص60
وقد أولى الكاتب العمة (سيدة الأحلام في الجبل )اهتماما خاصا فها هو يتحدث عن تفسيرها لأحلام القرية من النساء ،والتي كان يستمع اليها خفية ويستفيد منها ،بالاضافة الى معالجتها لبعض الوعكات الجسدية، وكأني بالفلسطيني يولي جزءا مهما من ذاكرته وسيرته للجدة والعمة في وصف الأعمال أو العلاجات البسيطة التي
كن يقمن بها، فها هو محمود شقير في سيرته (ظل آخر للمدينة) يولي جدته اهتماما في هذا المضمار، ويتحدث عن معالجتها لبعض الأمراض التي كانت تصيب الأطفال والكبار أيضا، وفي هذا كتب أكرم مسلّم.
(...تضع السكين على جزء منه،وتقول للمريض مشيرة الى ثؤلول محدد من ثآليله :ها انّي أقطعه،أنظر جيدا،لقد قطعته. وتنتقل للثاني والثالث على النحو ذاته.)ص118
رواية سيرة العقرب ...رواية متميزة بأسلوب جميل مُحدث، تعد اضافة للأدب الفلسطيني، استخدم فيها الراوي مجموعة من التقنيات السردية التي
أضفت عليها جمالية خاصة ومميزة ،بالاضافة الى استخدامه الرموز والدلالات، واشباعه روايته بالعديد من القصص، حتى يتسنى للقارئ اعمال عقله في التحليل والتفكير، لغته متمكنة ذات أبعاد، لغة فصيحة سهلة وقوية .