الظل هو الظلام الذي يُسبّبه جسم ما عندما يُحجب الضوء من الوصول الى سطح ما . فعندما تقف في ضوء الشمس يحجب جسمك بعض الضوء الذي كان يمكن أن يُضيء الارض – وهكذا يُصبح ظلك منطقة مُظلمة على شكل جسمك.
وفي المجتمع الذي نعيش فيه يتأثر الواحد منا بمن حوله من شخصيات وأحداث ومجريات ، كما يُؤثر على غيره ، فالإنسان الرزين المتوازن هو ذاك الانسان الذي يتأثر ويُؤثر بنفس المقدار ، أما الانسان الواهن الضعيف فهو الذي يُقلّد غيره لأنه يشعر بنقص وضعف هاربًا من هذا النقص عن طريق تقليد الآخرين ، واجدًا في ذلك رضًا واطمئنانًا مؤقتًا ، ويظهر ذلك في لبسه وشكله واسلوب حديثه وطريقة عرض أفكاره...
على المرء منا الّا يكون ظلا لغيره ، أي أن يعيش في ظل شخص آخر ، وإنما عليه أن يكون ظلا لنفسه ، وأن يحرص على التميُّز ضمن مضمار فكره وليس ضمن مضمار فكر الآخرين...
من الجدير تطبيق هذه الفكرة في جميع نواحي ومجالات الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والعمليّة ، فالعامل يجب ان يتمتع باستقلالية التفكير وحرية الرأي والتعبير والقدرة على الابداع والمبادرة إذا اراد أن يتقدم في عمله ، لأنه اذا كان ظلا للمسؤول عنه في العمل ، فسوف يعيش طيلة أيام عمله في الظلام ولن يستطيع أن يُبرز شخصيته المنفردة المُتميّزة وسيبقى يحتل مركز المُوجَه وليس الموجِه ، حيث يُسيطر عليه ذلك المسؤول ، الذي يُسيّرهُ وفق ارادته ومصلحته ودوافعه...
وفي العلاقات الزوجية أيضًا يجب أن لا تكون الزوجة ظلا لزوجها أو أن يكون الزوج ظلا لزوجته ، بل يجب أن يعيش الاثنان حياة مبنية على التفاهم والمودة والتبادلية – حياة تكون ركيزتها حق كل واحد من الزوجين أن يكون له كيانه وفكره ومعتقداته وآراؤه ، وفي حالة حدوث خلاف في الرأي والأفكار فيكون الحل بالتفاهم والنقاش والمحاورة وليس بإلغاء رأي الآخر وتهميشه ، لأن الذي يرضى أن يُهمش سيعيش في الظل طيلة أيام حياته...
كذلك الأمر عندما نتحدث عن الصداقة – فالصداقة أيضًا يجب أن ترتكز على احترام شخصية الصديق ، بحيث يكون لكل واحد شخصيته الحرة المستقلة .
نلاحظ وللأسف أن العلاقة بين الأصدقاء في أيامنا هذه مبنية أحيانًا على ارتباط يشبه العلاقة بين " الجار والمجرور" – بحيث يُسيطر أحد الصديقين على صديقه ويكون هو المبادر دائمًا في التفكير والقول والفعل ، أما الصديق الثاني ("المجرور") فيكون تابعًا له ، ويقّلده في مظهره الخارجي وفي تصرفاته ، والنتيجة الحتمية لهذه العلاقة أن يعيش ذاك "المجرور" طيلة حياته في الظلام ، بحيث يبقى ظلا لذاك الصديق...
وينطبق الوضع أيضًا على الجانب السياسي في حياتنا ، فنلاحظ أن أكثر السياسيين ظهورًا وشهرة هم اولئك الذين يتمتعون بحرية التعبير والفكر الحر والاستقلالية والتميّز ، ويظهرون ذلك دون محاباة او خوف ، حتى لو كان ذلك مناقضًا أحيانًا لآراء زعماء الحزب أو الحركة السياسية التي ينتمون اليها ، أما اولئك الذين قرروا ان يحيوا في الظلام ، فإن ضوءهم السياسيّ باهت وقد يعيشون سنوات عديدة في هذا الظلام دون أن يشعر بهم أحد ، لأنهم اختاروا أن يكونوا ظلا لسياسيّ مُعيّن ذي مكانة في حزبهم وحركتم...
يُستشف مما ذُكر أعلاهُ بان الواحد منا يجب ألا يرضى بأن يكون ظلا لأحد وألا يكون صدى صوت لأحد ، فإذا أردت أن تعيش في هذه الدنيا وأن تتمتع بكيان مستقل - اجعل حياتك كلها رحلة ضوء تُضيء فيها نفسك ومن حولك ، ولا ترضى أبدًا أن تعيش يومًا في الظلام ...
فلا تكن نُسخة من أحد...
ولا تكن ظلا لأحد...