كالكثيرين من أبناء شعبنا، قريتي، طائفتي، بلدي وعشيرتي، كنت قد دُعيت في الأيام الأخيرة إلى أمسية نظّمتها مجموعة من المبادرين في يركا بعنوان: يوم الأرض. خطوة مباركة علينا جميعًا أن نشجّعها خاصة وأنّ موضوع الأرض أصبح موضوعًا شائكًا ذا أبعاد اقتصاديّة، ثقافيّة، واجتماعية، وتحديدًا في ما يخصّ علاقة الطّائفة المعروفيّة بالدّولة ومؤسّساتها. والبرغم من نظرتي الإيجابيّة وتشجيعي الأوّلي لمثل هذه المبادرة، بدأت بالتّراجع بعد أن أطّلعت على أسماء الشّخصيّات المكرّمة في الأمسية. الأمر الّذي دفع بي الى إبداء رائي بصراحة خاصة وأنني أبادل عدد كبير من القائمين على هذة المبادرة مشاعر الاحترام، ناهيك عن أنني لا أشكك في صدق نواياهم.
فبحسب الدّعوة الّتي وصلتني، فإنَّ القيّمين والمتحدّثين قد اختاروا تكريم ثلاث شخصيات على شرف هذه المناسبة وهم: المرحوم سلطان باشا الأطرش، المرحوم كمال جنبلاط، والمرحوم شكيب أرسلان. شخصيّات وبدون أيّ شك لها تاريخها العريق، وتحظى في أوساط الكثيرين من بيننا بالاحترام والتّقدير على مواقفها المشرّفة في محطّات تاريخيّة مهمّة. وبالرغم من ذلك لم أستطع فهم العلاقة بين هذه الشّخصيّات وموضوع الأرض، أو مع ما تبقّى من أراضينا. وإذا صحّ القول أكثر، فالسّؤال هو حول العلاقة بين هذه الشّخصيّات وبقائنا على هذه البقعة من الأرض.
أوّلا، وقبل كلّ شي، إنَّ اختيار هذه الشّخصيّات يعطي انطباعًا بأنّ الأمسية هي محاضرة في موضوع التّاريخ، وكأنّ موضوع الأرض أصبح من ورئنا! لأنّ الشّخصيّات المذكورة جميعها قد انتقلت إلى رحمة الله، وكان آخرهم المرحوم سلطان باشا الأطرش والّذي توفّي عام 1982 أي قبل ما يقارب ثلاثة عقود. في حين أنّ موضوع الأرض والنّضال عليها لم يتوقّف للحظة، بل على العكس، ازداد أهميّة في السّنوات الأخيرة بعد أن أصبح النّقص في هذا المورد الطّبيعيّ يشكّل خطرًا على تطوّرنا كمجموعة ثقافيّة، وطنيّة ودينيّة في الجليل والكرمل.
لم أكن لأقف وراء هذه المقالة لو ضمّ التّكريم شخصيّة واحدة على الأقلّ من أبناء القرى المعروفيّة، ولكنّ تكريم شخصيّات من خارج المنطقة يعطي الانطباع وأنّنا بقينا في قرانا بفضل شخصيّات من خارج البلاد. وهو أمر غير دقيق بتاتًا. وإذا كان القيّمون مصمّمين على إبقاء النّقاش في زوايا التّاريخ، فبودّي أن ألفت نظرهم بأنّ بقاءنا جاء نتيجة لمساعي جدودنا من دالية الكرمل، وعسفيا، وشفاعمرو، وجولس، وأبوسنان، وحرفيش، والرّامة، وعين الأسد، وبيت جن، ويانوح، وكسرى، وكفر سميع. وليس بفضل أية شخصيّة من خارج المنطقة.
وبما أنّ القرار كان إقامة الأمسية في يركا وبمشاركة رئيس المجلس المحلّي، وأنّ هنالك إصرار على إبقاء النّقاش حول البقاء على الأرض في ملفات التّاريخ، فبودّي أن ألفت نظر القائمين على الموضوع مرّة أخرى، بأنّ من حافظ على بقاء يركا وأهلها هم أهل يركا، ومن حارب على أراضي يركا في فترة ما قبل وما بعد قيام الدّولة، هم فلاحو ومشايخ يركا، وعلى رأسهم الشّيخ مروزق معدّي، والشّيخ جبر معدّي، ولفيف من المشايخ الّذين أقاموا لجنة يركا للدّفاع عن الأراضي في خمسينيات القرن الماضي، في حين أنّني أشكّك بمعرفة الشّخصيّات المكرَّمة أية معرفة حول موقع يركا على الخريطة.
ومع احترامي وتقديري الكبير لمسيرة المرحوم كمال جنبلاط، إلا أنني لم أجد أية مادة مما أبقى تشير ألى أهتمامة ببقائنا في قرانا من منطلق الحفاظ على كياننا الجماعي، الأمر الّذي ينعكس بشكل واضح في زواج ابنه وأحفاده من فتيات لَسْنَ من طائفة الموحّدين. بكلمات أخرى إن النّضال على الأرض أو البقاء عليها لا يحملان أيَّة أهميّة في حال كونهما نضال على بقعة أرض، أنما النضال الحقيقي هو على الوجود وعلى المركبات المختلفة التي تضمن سلامة هذا الوجود وعلى رأسها الارض.
أمّا إذا كان لأحد ما رغبة في الانتقال إلى التّاريخ المعاصر، فهنا أريد أن ألفت نظر القارئ بأنّ بقاء القرى الدّرزية في مكانها بخلاف أكثر من 300 قرية عربية أخرى قطنت هضبة الجولان، لم يكن بفضل الدّبّابات العسكريّة الّتي انتشرت على مداخل قرية مجدل شمس خلال حرب الأيّام السّتّة. بل يعود الفضل لمشايخ الكرمل والجليل، ولمن كان في الصّفوف الأماميّة وعلى رأسهم المرحوم إسماعيل قبلان.
ومن أكثر الأسباب أنّ القرى الدّرزيّة لم تعانِ الويلات خلال حرب الجليل، ليس بفضل صواريخ التوم هوك التي انتشرت على الجبل، بل إلى حدّ كبير بفضل مساعي المشايخ من الكرمل والجليل وأعضاء "لجنة المتابعة لشؤون دروز لبنان" خلال فترة الحرب وعلى رأسهم كلّ من الشّيخ زيدان عطشة، الشّيخ محمد رمال ،الدّكتور جمال حسّون، الشيخ نواف عزام والمرحوم الشيخ علي قضماني، ومن القوى العسكريّة ومن كانوا في الخطوط الأمامية كالضّبّاط المتقاعدين ومنهم أمل أسعد ابن قرية عسفيا، مهنا كنعان أبن قرية يركا، ومفيد عامر ابن حرفيش وهم الّذين هدّدوا الحكومات الإسرائيليّة بعدم إيقاع أيّ أذى على أبناء الطّائفة في لبنان.
هكذا أيضا نجا أبناء الطّائفة الدّرزيّة من قرى الجنوب من ويلات القصف والضّربات العسكريّة الّتي استمرت على قرى الجنوب حتّى انسحاب القوّات الإسرائيليّة عام 2000 والبقاء على أرضهم إلى حدّ كبير بفضل مساعي مشايخ وأفاضل الكرمل والجليل ومن خدم في الصّفوف الأماميّة ومنهم الاخ رفيق سعيد ابن قرية يانوح, العم معين نصرالدين أبن دالية الكرمل والعم قاسم هنو أبن قرية جولس.
لقد حاولت قدر الإمكان من خلال هذه النّبذة القصيرة الابتعاد عن ذكر أسماء المشايخ من الكرمل والجليل لأنّهم كما يعلم الجميع قد قاموا بما قاموا به وهم مستمرّون على نفس النّهج خلال المحنة السورية على أساس فريضة "حفظ الإخوان ". وبهذا قاموا بما قاموا به من منطق عقائديّ وليس من أجل زيادة عدد " اللايكات" على صفحتهم على الفيسبوك ولأخبار تسويقيّة على المواقع الإكترونية. ولكن ما بودّي أن اختتم به هذه المقالة، هو أنّ هنالك لائحة طويلة من الأسماء من قرانا يصحّ تكريمها في كلّ ما يتعلق بموضوع الأرض والبقاء عليها قبل أن نكرّم أيَّة شخصيّة أخرى مع فائق احترامي للجميع.