أضحت حوادث الانتحار التي نسمع عنها في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة وهي تتزايد من يوم الى يوم ، فلا يمر شهرٌ أو أحيانا ً اسبوع الا وسمعنا عن حادثة انتحار في هذه القرية أو تلك .
وفي الأسبوع الأخير وصلت حوادث الانتحار شنقا ً الى أرقام كبيرة وأخطرها اقدام زوج ٍ وزوجته معا ً على وضع حد لحياتهما .
ولا تقتصر هذه الحوادث على طائفة معينة الا أنها اصبحت مقلقة في المجتمع العربي عامة ً بطوائفه المختلفة ، وفي الأسبوع الأخير شهدت بيت جن والمغار ودالية الكرمل وكفر مندا وعرعرة وغيرها من البلدات العربية حوادث انتحار كان المقدمون عليها في مقتبل العمر . ولتفاقم هذه الظاهرة لا بد أن نطرح سؤالا ً هو : ترى ما السبب وراء وضع شبابنا حدا لحياتهم في جيل مبكر ؟
لا شك أن وراء ذلك اسباب كثيرة أهمها : المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ولا يمكن اعفاء الجو السياسي القاتم الذي تمر به الدولة والمنطقة جمعاء من مجموع هذه الاسباب المساهمة في انتشار ظاهرة الانتحار . فعلى الصعيد الاجتماعي باتت الاسباب متعددة أهمها تفكك الروابط العائلية وازدياد النقاش الحاد في البيوت بين أفراد الأسرة الواحدة والذي يبلغ أحيانا ً حد العنف الكلامي والجسماني ، وكذلك الملل الذي يطال العديد من شبابنا الذين لا يجدون لهم ملاذا ً اللهم سوى الحاسوب على سبيل المثال ، واحيانا ً في ظل انعدام النوادي والبرامج الترفيهية في القرى والمجمعات السكنية في معظم بلداتنا .
كل ذلك في وقت باتت فيه العلاقات الشخصية حتى بين الاخوة غير سليمة فالأخ يحسد أخاه او يكاد لا يكلمه وأمست علاقاتهما تفتقر الى المحبة وعاطفة الأخوّة التي كانت المثال الأعلى والرابط الأهم في بناء الاسرة .
أضف الى ذلك الوضع الاقتصادي المزري ، إن كان على نطاق العائلة او الفرد ، فالكثير الكثير من شبابنا اليوم لا يجد عملا ً ولا يحصل على مصروفه الشهري والأهم فإن العائلات كثيرة الأولاد تعاني من حالات الفقر المفجع وأصبح رب الأسرة عاجزا ً عن توفير لقمة العيش لأولاده ، كم بالأحرى اذا كانت الأسرة متعددة الأفراد .
وفي ظل هذا كله يزيد الطين بلة الوضع السياسي العام في الدولة والمنطقة ، فالتنافس السياسي بين الاشخاص إن كان على نطاق السلطة المحلية أو سياسة الدولة لا يترك راحة ً لأحد ، زد على ذلك المشاكل التي تعاني منها القرى العربية كعدم توفر الخدمات الأساسية للمواطن وأقل مثال على ذلك انقطاع مياه الشرب أحيانا ً في البيوت أو تراكم القمامة ، كل ذلك يضفي جوا ً بائسا ً غير صحي وغير مريح يزيد من تفاقم الأزمات .
وهناك سبب لا يقل أهمية ً في نظري وهو الجو العام في المنطقة إذ بات شبح الحرب مهددا ً مستقبل كل فرد وفرد فمن منا يستطيع أن يضمن لنفسه مشروعا ً اقتصاديا ً آمنا ً في ظل التهديدات بإمكانية نشوب حرب بين الفينة والاخرى ؟ .
كل هذه العوامل التي ذكرتها تجعل نفسية الشخص محبطة ، بائسة ، غير سليمة تساهم في تراكم المشاكل النفسية التي هي بالدرجة الأولى عوامل مساهمة في اللجوء الى الانتحار .