"اختلفت الآراء والاتجاهات حول مفهوم شخصية المرأة الجريئة, ونظرة المحيطين لها ومدى تقديرهم لجرأتها, فبرغم ان الجرأة من الصفات المحيرة التي تثير الكثير من الجدل ما بين مؤيد ومعارض, الا ان هناك اتفاق شبه عام بين بعض بنات حواء هذه الأيام على ان الجراءة قد اصبحت صفة من صفات جاذبية ادم لحواء,
شخصية المرأة الجريئة هي التي تعبر عن قناعتها وآرائها وافكارها بحرية دون ان تخشى لومة لائم, فمبدأها ان الحق أحق ان يُتّبع .
والتي تمارس جرأتها تمردا على العادات والتقاليد البالية التي قد تطبقها بنات جنسها لسوء فهم او عدم اقتناع او خوفا من النقد .
وغالبا ما يكون لديها وجهات نظر واراء مختلفة ممزوجة بالصراحة في كثير من الأحيان فهي حريصة على مواجهة المجتمع بعيوبه وكشف الحقائق دون خجل, فمبدأها الا تكون كالنعام وتدفن رأسها في الرمال .
قراراتها حاسمة ولا تحتمل الشك او التردد, فلديها قدرة كبيرة على التعبير عن نفسها والمطالبة بحقوقها ومعرفة ماذا تريد وكيف تحقق ما تريد, فلديها قدره كبيرة على وضع اهداف لحياتها تسعى لتحقيقها بلا كلل او ملل .
و لديها قناعة ان هناك الكثيرات من بنات حواء لديهن الرغبة في ان يكن مثلها ولكن الخوف والخجل من المواجهة اعلان الرفض والظهور في الصورة يمنعهن من ذلك ."
هكذا هي كاتبتنا الواعدة تركية صلالحه.. تطل علينا بباكورة اعمالها الادبية لتضعها تحت عنوان امرأة بلا وجه بكل الثقة وبأسلوب اكثر جرأة للكتابة بلغة ومفردات وصور لم تعتاد الفتاة في مجتمعنا ان تجرأت وكتبت بمثله لتكون الاولى والافكار المسبقة .
لتسرد لنا معاناة فتاة وامرأة حاولت تخطي التقاليد والعادات البالية التي اكل الدهر عليها وشرب حين لم يكن للفتاة راي او مشورة في اختيار الشاب الذي اختاره قلبها ..بل عليها ان(تلبس الثوب الذي يفصله لها ابوها وجدها واحيانا امها وعليها ان تلبسه شاءت ام أبت)
وقد جالت وصالت الكاتبة ورسمت لنا لوحات من الحياة القروية آنذاك حين كان ينظر للزواج انه ..سترة وعلى الفتاة ان تتجوز بأسرع وقت.. والا ستبقى عانس وربما اصبحت محط طائلة الشائعات التي تُطلقها السن الناس خاصة النسوة.. من تهم واسباب تأخرها بالزواج.. غير ابهين بمشاعر واحاسيس الانثى ..وبأن لها الحق على جسدها وحياتها .. والآنك من ذلك النظر الى الزواج كصفقة بيع وشراء يؤخذ النظر فيها.. ما هو الربح من وراء هذه الصفقة ..وصورة اخرى ادهى من ذلك هو زواج البدل ..اذ تزامن واحب شاب فتاة لا يوافق والدي العروس الا ان يوافق اهل العريس على تزويج احدى بناتهم من ابنهم مقابل زواج اخته ..غير اخذين بالحسبان مشاعرها وعواطفها او الاخذ برأيها.. والتحري اذا ما كان هناك حبيب اخر في حياتها ..ليؤدي ذلك في النهاية الى استسلام الفتاة الى واقعها المرير لتحيا حياة العبودية والظلم وتداس كرامتها بشتى الاساليب ..بينما يسرح الزوج ويمرح على كيفه دون حسيب او رقيب ... في مجتمع شرقي متخلف يقدس الذكورية وينظر الى المرأة كمجرد عبدة او خادمة وولّادة.. رغم كل ما تمنحه الديانات السماوية من احترام ومكانة محترمة للمرأة كزوجة وأم ..ضاربين بالشرائع السماوية عرض الحائط ناسين المقولة التي جاءت في الاديان -احبب لغيرك ما تحبه لنفسك -..وعامل الناس كيف تحب ان يعاملونك..
كل ذلك تسرده الكاتبة على لسان (سحر) التي ضحت بحبها وحياتها من اجل ان يسعد اخيها عادل بزوجته وفاء , قابلة الزواج بأكرم اخو وفاء الذي ورغم معرفته بحبها لوليد فارس احلامها ..وهناك امور كثيرة اشارت بها على المعتقدات التي رسخت في عقولهم ان رضا الله من رضا الوالدين بأمرهم فهم ظل الله على الارض ....ناسين ان مهمة الاباء هو السهر والحرص على سعادة ابنائهم ..وان زواج الغصب تُحرّمه كل الشرائع السماوية وان ثمرة وزواج الغصب هو ابناء زنى ..لتعيش امرأة بلا وجه في كلتا الحالتين للتخفيف ودون احساس بمتعة الزواج وقدسيته.
الا ان ابو عادل رفض ذلك بسبب كونه رجلا متنورا ومتحررا من هذه العادات والتقاليد البالية الامر الذي سبب له الشلل النصفي بسبب ثورة غضبه واعصابه ..مما حدا بسحر ان تدوس على قلبها ومشاعرها وتقبل الزواج بأمجد علّ ذلك يخفف من وطأة احزان وعذاب والديها خاصة والدها.. رامية نفسها في دوامة الضياع والعذاب والحرمان..
ثم تعود الكاتبة تركية لتسرد معاناة فتيات اخريات عانين الامرين لاسباب واهية بسبب الاعراف والتقاليد ..كل لسبب مختلف كزواج من قريب او ابن العيلة نزولا عند رغبة الاهل عملا بالمقولة (ابن العم اولى ) (وابن العم بنزّل بنت عمه لو كانت عروس على ظهر الفرس لانه احق بها من غيره) ..
وكيف كانت تتمنى لو انها حظيت بحبيب قلبها كصديقتها وفاء التي سعدت بالزواج بحبيبها عادل ..الا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن .. حيث لاقى عادل مصرعه في اثناء خدمته العسكرية دون ان يحظى برؤية مولوده حيث توفي وزوجته حامل ..وهنا تبدا المشكلة ..حيث وقعت في دوامة من الضغوط من جهة اهلها الذين ارادوا رجوعها للبيت ..اذ لا يصح حسب الاعراف والتقاليد ان تبقى ارملة في بيت حماها الذي فيه شباب ..وكان الحل ان يرضى والديهاببقائها في بيتها.. شرط ان تقبل الزواج باخي زوجها ايمن الذي يصغرها بكثير كي يستر عليها لتبقى في دار حماها..رغم ان تعرف انه مرتبط بعلاقة حب شديد مع فتاة اخرى تدعى سحر ليضحيا بحبهما ويصبحان ضحية الاقدار..كل ذلك لارضاء اهليهما..
اما وليد حبيب سفر لم يطق صبرا على الحرمان والعذاب ويغادر ضيعته الى بيروت بحثا عن النسيان والعزاء ..اما سحر فتعاني الامرين من زوجها الذي سلبها ثروتها وتركها فريسة للوحدة ..
اما وليد فقد اخذ يرتاد النوادي الليلة حتى فكر يوما بالانتحار الا ان احدى المعجبات التي عرفت قصة حياته من صديقه رياض ..تتبعته حتى اغرته بمرافقتها الى بيتها لتناول المشروب حيث افضى به السكر الى فراشها ليقع في الخطيئة من حيث لا يدري.. وليتضح ان ماريا حملت منه مما زاد الطين بلة ..ويعرض حبه لسحر للخطر..
اما سحر فقد توترت علاقتها بزوجها الذي حاول اقناعها باقامة علاقة غير شرعية مع احد رجال الاعمال مقابل صفقة تجارية مربحة ..غير ابه بشرف زوجته وسمعتها ..اذ ان كل همه المادة والمال ليس الا ..مما اثار حفيضتها وجعلها تنفر وتشمئز منه وتطلب الطلاق ..رغم انها حامل منه وحاوات التخلص من الجنين وحتى الهروب الى لبنان مسقط راسها بمساعدة صديقتها واخوها الا ان المخطط كشف.. مما زاد وضعها سوءا ...اما زوجها فاشترط الطلاق بانجابها للجنين وهو الذي كرهته وحاولت اسقاطه قبل ان يولد وتمنت ذلك.. الا ان زوجها مضي اوراق الطلاق ..وفرحت بذلك واخبرت حبيبها امير بالامر فسافر اليها وهو في نشوة وانتظار ..اللقاء.. وهي تعاني الالام وتتحملها حتى تتخلص من عبوديتها وعذابها لتحلق في سماء الحرية وتعود لحبيبها ..ولكن زوجها غدر بها حين اغتال حبيبها وهو في طريقه للمستشفى ..ويتركها مطلقة هاربا مع ضميره الميت الى الخارج ويتنكر للمولود ..وليس عجبا ان دعت مولودتها باسم رحيل ..
وهنا تبرز الكاتبة قوة الامومة لدى المرأة ..التي حالما جاء المولود للحياة جعلها تتغاضى وتنسى كل لحظات العذاب والام لتهب حياتها له كي ترعاه وتحتضنه ..مدركة ان الامومة هبة من الله اهداها للانثى كي يبعث فيها الامل للحياة كيف لا وهو قطعة من كبدها .. لتعود وتزوج ابنتها رحيل من فادي ابن وليد عسى ان ينعما بالسعادة والحرية التي حرموا هما منها ..
هذا غيض من فيض من احداث الرواية اترك للقارىء الفرصة للاستمتاع بقرائتها وباسلوب الكاتبة الشيق وتعابيرها الخلابة التي تنم عن موهبة واعدة لها مستقبل مشرق لتحتل لها مكانة تحت شمس الادب.