من المغار شعَّت هالة نور..
مهرجان نيسان الدولي للشعر يُحقِّق النجاح تِلوَ النجاح
اتجهت الأبصار كعادتها في شهر نيسان من كل عام نحوَ "المغار"، هذه القرية الجميلة التي وصل اسمها العَطِر إلى مغارب الأرض ومشارقها، منذ شعَّت هالة نور منها قبل خمس عشرة سنة، مع انطلاق مهرجان نيسان الدولي الأول للشعر. جاء هذا بفضل أهل الفكر الراقي، والعزم الأكيد، والرأي السديد نُجومِ "جمعية نيسان لدعم الثقافة والفنون" الذين ارْتَأوا بِبُعد نظرهم أنَّ مدَّ جسور التعارف والتواصل والسلام بين الحضارات والثقافات والشعوب لما فيه تقدم البشرية وبناء إنسانية الإنسان، يكون بتفعيل دور "الكلمة" التي تُجَمِّع ولا تُفرِّق، وتبني ولا تهدم ، وتُحَقِّق عندما تُقالُ بأمانةٍ الخيرَ والمحبة بين الناس مهما اختلفت مشاربهم وأطيافهم.
وتجسيداً لواحِدٍ من بنود رسالة الجمعية وأهدافها وهو:" إقامة مهرجان سنوي للشعر لتأسيس حالة من التواصل النابض بالحياة بين مختلفة الثقافات في عالم يفهم لغة الشعر ويحترم الشعراء باعتبارهم التجسُّد الأكثر شفافية لجماليات الروح والضمير الإنساني الحي "، تقاطر للمشاركة في مهرجان هذا العام نخبة مُمَيَّزة من شعراء دول مختلفة من العالم منهم الشاعر الإيطالي الموهوب بيفي كوستا، فكانت "لغة الشعر" سيّدة الموقف.. وكان التناغم والانسجام على أروع صُوَرِه بين الشعراء الضيوف ونُظرَائهم من أصحاب المواهب الرائعة في المغار والقرى والمدن الأخرى والمؤسساتها الأدبية بجميع أطيافها. وحَرِيٌ القول أن البرنامج الذي تمّ إعداده بدقةٍ وعنايةٍ، وكان محصلة خبرة سنوات طويلة، قد جاء في غاية التنظيم بالإضافة لحُسْن التنسيق مع سائر الجهات المعنية. وقد جرى الاحتفال الرسمي بافتتاحه في الثامن والعشرين من شهر نيسان، واستمر بقوة وزخم وسط حُضورٍ لافتٍ من شخصيات مُعتَبَرَة، إلى مساء اليوم الأول من شهر أيار مع اختتام برنامجه الناجح المُثمِر بتسليم شهادات تقديرية من هيئة إدارة المهرجان لجميع المشاركين.
وأرى من الحقِّ تسليط الضوء على هذا النشاط الثقافي الكبير الذي امتزج أريجُه العَطِر مع عبقات نسائم المغار الشَّذية، وكان جرى على مَدرجِ "أشكول بايس" المَهيب، بتغطية إعلامية شاملة ،حيث كانت القراءات الشعرية تتوالى حسب البرنامج بانسيابٍ وتناغمٍ، انفرجت أسَارير الحضور لها وابتسمت ثغورهم وهم يُصْغون لبديع الشعر ورائع النثر الذي كان يتدفق من الشعراء الموهوبين المشهود بقدرتهم وكفاءَتهم . ولا يغيب عن الخاطر تلك اللقاءات الفكرية والتعريفية بين المشاركين حول الوضع الأدبي والثقافي في دولهم والسبل الكفيلة بتطويره. كما وأسَجِّل بفخرٍ لإدارة المهرجان تخصيص جلسات خاصة للترجمة، حيث شكل هذا نقلة نوعية مائِزَةً غير مسبوقة في سائر المهرجانات الشعرية وفي أي دولة أخرى. حيث تحلق شعراء وأدباء الغرب والشرق في حلقات ترجمة لقصائد تكشَّفَ بعد اكتسائها حُلة لُغوية جديدة مدى عمق مشاعر وأحاسيس ناظِمِيها،ومستوى إبداعهم الفني واللغوي. وقد سرَّني شخصياً أن أحظى بترجمة قصيدتين للشاعر السويسري المتألق ايروين مسمر، وقصيدتين للشاعرة النرويجية المتفوقة لينا يوندروم ماريوسن،وقصيدتين للشاعرة المبدعة باربرا فوجنزيك من سلوفينيا. وقد وقف الشعراء الذين تُرجمت قصائدهم إلى جانب مُترجِميها، الذين قاموا بإلقائها بثوبها القشيب الجديد ما أثلج صدور المشاركين وجميع الحضور الكرام .
وكلمة إنصاف يجب أن تقال: أن اللقاءات التحاورية والمناقشات وتلاقح الأفكار في الفنون الأدبية وغيرها لم تتوقف ، حيث لوحظ استثمار الوقت المتاح قبل بدء البرنامج الصباحي والمسائي في قاعة المهرجان ، واستثمار الوقت المتاح في قاعة الفندق، والفترة الزمنية خلال التنقل في الذهاب والإياب في الحافلة .هذه الأمور مجتمعة تشكل نجاحاً مُضافاً لمهرجان هذا العام.
وليس يغيب عن الذهن الفرق الموسيقية المُبدعة التي واكبت بعض أنشطة المهرجان فأضفت عليها بهاءً ورونقا .. يضاف إلى هذا الأمسية الزجلية الساحرة التي تركت أثراً بهيجاً في النفوس .
وإذ نطوي شراع مهرجان نيسان الدولي للشعر لهذا العام نتقدم بتحية إكبار إلى رُبان سفينة جمعية نيسان لدعم الثقافة والفنون وَبيرَق عِزِّها الأخ الدكتور مجيد عساقلة ، وإلى كوكب الثقافة وغُرَّة مهرجان نيسان الأخ البروفيسور نعيم عرايدي ، وإلى أصحاب القلوب العامرة بالمحبة أعضاء الهيئة الإدارية في جمعية نيسان الكرام الأفاضل . وتحية من شغاف القلب إلى أهل المغار الذين سنبقى نلهج بأصالتهم وتآلُفِهم ومكارمِهم.
بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان
[email protected]
