( مقال تعقيب على تقرير نشرته القناة العاشرة عن طبيب مستوطن يعبّر عن رفضه لعلاج اطفال فلسطينيين في المستشفى الاسرائيلي الذي يعمل به في أعقاب عملية اختطاف الشبان اليهود الثلاثة )
قبل بضع سنوات أغار جيش الاحتلال الاسرائيلي على غزة، في القصف على بيت الطبيب عز الدين أبو العيش فقُتلت بناته الثلاث. بالضبط في نفس الوقت كان يعالج إسرائيليين. قسم منهم جنود او عائلات لجنود اعتدوا على أبناء شعبه، وقسم منهم مستوطنون سلبوا أرض شعبه.
حتى بعد استشهاد بناته في القصف، حافظ الدكتور أبو العيش على انسانيته. بقي طبيباً.
ولكن هنا في تقرير الصحفية سمادار بيلد في القناة العاشرة، يقول الطبيب دودي مشعالي انه حتى اليوم كان له شرف الحق في إجراء عمليات جراحية لأطفال وعلاجهم، بمن فيهم أطفال فلسطينيون. الآن، بعد عملية الخطف يكشف الطبيب المستوطن انه مستوطن أكثر من كونه طبيباً. انه يتعامل مع علاج طفل فلسطيني من الخليل على انه " عمل يدعو للمزاهاة " او حتى " تباهي فارغ " .. بالضبط هكذا ! وتتمادى زوجته قائلة انه يجب قطع الكهرباء عن الخليل وفرض حصار ووقف علاج اطفالهم ( اطفال الفلسطينيين ) لكي يتعاملوا مع اطفالنا كما نتعامل نحن مع أطفالهم . على حد قولها. يبدو انها لم تسمع عن مرارة قدر الطفل محمد دودين ابن الثلاثة عشر عاماً الذي أطلقت عليه النار اول أمس وقتله جنود الاحتلال الذين يبحثون عن الشبان المفقودين – المخطوفين الذين أرجو عودتهم إلى عائلاتهم بأمان. اما الطفل محمد دودين فلن يعود إلى عائلته أبداً. هي لم تسمع ، وكذلك زوجها لم يسمع عن الطالبَين نديم نوارة ومحمد ابو طاهر اللذين قتلهما جيش الاحتلال في بيتونيا. هما لم يسمعا على ما يبدو عما يقارب 2000 فتى وطفل قُتلوا في السنوات الأخيرة وعن اطفال فلسطينيين " خُطفوا " ليلاً من بيوتهم ومن مدارسهم " طبقاً للتعليمات العسكرية ".
اذكُرُ ( عندما كنت طبيباً ) انني كثيرا ما لاقيت العديد من المرضى العدائيين الذين عرفوا ان اسمي أحمد وأنني طبيب عربي. عالجت حتى المرضى الذين اطلقوا ضدي هتافات مسيئة على خلفية قومية، ذلك لأنني لم أعتبر رسالتي الطبية على انها " تباهي فارغ " او عمل يستحق الغرور. العديد من الأطباء العرب يعالجون ضباط جيش، رجال شرطة وأمن ، بإخلاص مهني رغم ان هؤلاء ربما اعتدوا على ابناء شعبهم وقتلوهم. عالجوا أيضاً أشخاصاً على ما يبدو صادروا اراضينا، او عالجوا سائقي جرافات يهدمون لنا العراقيب او القرى غير المعترف بها في النقب. لأنه ان تكون " طبيباً " فهذه رسالة. الطبيب هو انسان. قبل ان يكون يهودياً أو عربياً. اليابانيون عالجوا الأمريكيين وبالعكس.
على فكرة، لم أطلب أبداً أن يشكروني على علاج قدمته او مساعدة وهبتها. الطب هي قيمة مرتبطة بالإنسانية وليست مرتبطة بالقومية او الرأي السياسي. صحيح أن الطبيب هو انسان أيضاً ولديه مشاعر وآراء، ولكن هذا امتحانه هو بقدرته على دفع الآراء جانباً وعدم إخراجها .
د. مشعالي: لن اطالب بإقصائك عن علاج الأطفال، لأنك تصل إلى العمل مؤخراً على حد قولك " مع شعور بالاكتئاب". طبيب مكتئب قد يكون طبيباً قمعياً. انا متأكد من وجود أطباء آخرين، يهود وعرب على حد سواء ، سيوافقون على القيام بما تستصعب أنت فعله : إجراء عمليات جراحية لأطفال فلسطينيين.
أخرج إلى إجازة لفترة من الوقت. ارجع إلى مستوطنتك الواقعة بالضبط على أراضي عائلة الطفل من الخليل الذي تتردد في تقديم العلاج له، وتعطّر بالشعور الزائف لكونك واحداً من جماعة متزمتة، مغتصبة، باكية، ومغرورة. وكن متأكداً من أن كل فلسطيني سيفضل أن تنصرف انت – أنتم من أرضه ، وبالنسبة لعلاج صحته فإنه مستعد للتنازل.
اخرجوا من الارض الفلسطينية. اخرجوا من أرواحنا.
ولك أهدي قصيدة محمود درويش : أيها المارون بين الكلمات العابرة خذوا أسماءكم وانصرفوا..
هل فهمت ذلك دكتور ؟