لا أحد يستطيع أن يتجاهل دور إسرائيل في التهيئة لهذه الحرب القذرة، وقذرة لأن فيها شيء من الإبادة الممنوعة دوليا، وفيها كثير من جرائم الحرب الذي يحاكم عليها التاريخ النزيه، غير تاريخ هذا العصر غير الحيادي وغير النزيه، ولا أحد ينكر أن إسرائيل استدرجت الحرب كما استدرجت الفلسطينيين للحرب، وكأن إسرائيل هوايتها الحروب، وكأنه كان في رأس قادة إسرائيل صوت ينادي بالحرب ، لقتل ما يمكن قتله من العرب، وتدمير ما يمكن تدميره وحرق ما يمكن حرقه، وأقول إن إسرائيل استدرجت الحرب، لأن الحرب ذاتها كرهت نفسها من كثرة الدم البريء المراق بها، وكرهت نفسها من كثرة حروب إسرائيل، فالمتتبع لتاريخ المنطقة، حتى لو لم يكن مؤرخا أو متتبعا أكاديميا، يستطيع أن يحصي أكثر من اثنتي عشر حربا في العقود السبعة من عمر هذه الدولة ، هذا عدا عمليات الاغتيالات والتصفيات والخطف في عمق الوطن العربي، هذه العمليات التي لم تتوقف بين الحرب والحرب، كأن هذه الدولة أنشئت فقط لتحارب، وكأن هذا الشعب ولد فقط ليعيش الحرب بعد الحرب، والخوف بعد الخوف، بينما لا يوجد في التاريخ دولة تخرج من حرب لتستعد لحرب أخرى عن وعي كامل بذلك.
ومع قليل من الحياد، وشيء من التعقل، يصل العاقل إلى أنه ليس صحيحا أن اختطاف الفتية الثلاثة كانت القشة التي قصمت ظهر الهدوء الذي سبق العاصفة، إسرائيل مهدت لهذا الاختطاف بأكثر من رسالة أو وسيلة و طريقة، فالاحتلال الرابض على صدور الناس مؤلم، ومذل، وقلما تجد في التاريخ شعوبا قبلت الاحتلال دون مقاومة، وبعنف، فالاحتلال على مدى ما يقارب خمسة عقود كان ينضح بالقتل والاعتقال والقهر والإذلال والملاحقة ، في الليل وفي النهار، وسلب الأرض وتفريغها من أصحابها، وحرق الزرع ، وقطع الشجر، والتنصل من كل التزام ، حتى بات يسخّر السلطة الفلسطينية لحمايته وحماية المستوطنين، بدلا من حماية شعبها المحتل، والتهرب من الواقع المؤلم، ومقولة أنه ليس هناك شريك للمفاوضات ليست صحيحة، العكس هو الصحيح،هناك شريك فلسطيني، وشريك جاد ، بينما الذي يعتبر نفسه شريكا ليس جادا وليس شريكا، هذا الشريك "اللا شريك" يماطل منذ عشرات السنين، يريد سلاما بدون عدل، سلاما بلا سلام قائم على الحق، يماطل ويستوطن ويسلب الأرض ويرخي الحبل لسوائب المستوطنين يتصرفون بكل وقاحة كأنه ليس على هذه الأرض سواهم، وكأن الدنيا ما كانت لتكون إلا من أجلهم، وهذا الشريك اللا شريك يتنصل ما طاب له التنصل من أي التزام محلي أو عالمي أو إنساني تعهد به في أوسلو الخدعة، أو ما قبلها أو بعدها.
قد يقول قائل يأخذ الأمور بنتائجها، أو بسطحيتها، ماذا تفيد مثل هذه الصواريخ؟ سوى أنها توفر الحجة لمن يتمناها وتؤدي إلى القتل والدمار، وقد تؤدي إلى نكبة أخرى، والفلسطينيون لا تنقصهم نكبات!
لا أحد يدّعي أن الصواريخ ستعيد الحق إلى أصحابه أو تحرر أرضا، أو تقهر جيشا يُعتبر من أقوى جيوش العالم، وأكثرها تطوّرا، لكن هذه الصواريخ مع محدوديتها، لا أحد يستطيع أن ينكر أنها عملت شيئا من التوازن في الخوف على الأقل، فكما أن مليوني فلسطيني في القطاع يعيشون الرعب، أيضا هنا خمسة ملايين أو أكثر يعيشون الرعب أيضا، هناك مليوني إنسان لا ملاجئ لديهم ولا صفارات إنذار حمراء أو زرقاء، ولا قبة فولاذيه تعترض أذكى القذائف، ينامون في العراء على مرأى من الطائرات ال أف 16 وغيرها، وهنا خمسة ملايين أو أكثر ينامون في الملاجئ، أنا لا أتشفى، معاذ الله، إنما استعرض واقعا أرجو أن يتغير إلى ألأحسن، والأحسن هو وقف القتال وحقن الدماء على الجانبين، وهناك حقيقة أخرى أن هذه الصواريخ قد تدعو بالإضافة إلى التوازن في الخوف قد تدعو إلى الاتزان في التفكير عند الشريك "اللا شريك" وأن توقظه من غروره وعنجهيته وتضعه أمام واقع لا مفر له منه هو: إذا كان قطاع غزة وهو ليس دولة، المحاصر منذ ثماني سنوات في أكبر سجن في العالم، والمحكوم بحزب والمحسوبة عليه أنفاسه ومدارسه ومستشفياته وشوارعه وسياراته ومؤسساته، استطاع رغم هذا الحصار اللا إنساني، أن يطوّر ويخزن صواريخ تصل إلى تل ابيب وحيفا وأورشليم والنقب، فماذا يمكنه أن يكون بعد عشر سنوات أو عشرين سنة؟؟؟
إن التعنت والهروب من الحل الدائم والعادل لا يؤدي إلا إلى مزيد من الحروب،
قد تكون هذه الصواريخ صرخة مظلوم وأبواب السماء دائما مشرعة لصراخ المظلوم.لا شيء يسد مكان السلام، السلام العادل القائم على الحق والمنطق،
إن "اللا شريك" الجاد جدا كان ولا يزال عل استعداد بكل جدية للسلام، بينما الشريك "اللا شريك" هو المماطل الذي لا يريد التفاوض لأنه يريد الأرض لا السلام، يريد الحل بدون سلام ، يريد الأرض بدون أصحابها، إن الشعبين لم يعد يحتملان المزيد من الحروب فكفى حروبا وكفى قتالا وكفت تعنتا!!
13.7.2014