دخلت الحرب نفق أسبوعها الرابع، بعد أن اختلطت أهدافها وضاعت، أو قُتلت في ظلمات أنفاق الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب، اختلطت كاختلاط الأنفاق ببعضها، ولم يعد يُعْرف الأول من الأخير أو ثانيها من ثالثها.
هل اقتنع محترفو الحرب أنها لم تعد نزهة كنزهات آخر الأسبوع ليوم واحد أو ليومين؟ وأنها أن بدؤوها متى يشاءون لا يستطيعون إنهاءها متى وكيفما يشاءون؟
دخلت الحرب نفق أسبوعها الرابع، وليس هناك أيّ مؤشر يشير إلى نهايتها، كل شيء في هذه الحرب يصرخ "أوقفوا حرب الإبادة هذه"
التراب يصرخ...لم تعد ذراتي تستوعب المزيد من الدم!
الدمار يصرخ...لم يعد لي هذه الدهشة أو الاستنكار!
الخوف يصرخ...لم يعد لي مكان في القلوب أو العقول
النساء..تصرخ لم تعد مصاطب البيوت آمنة، قد يخرج منها مقاتل..!
الملاجئ تصرخ...صفارات الإنذار تصرخ...القنابل... المدافع.. الدبابات..حتى الطائرات صارت تصرخ أن هذا الفضاء لم يعد نقيّاً من رائحة الدم والبارود والجريمة....
دخلت الحرب أسبوعها الرابع، يرافقه الخوف من الأسابيع الآتية التي قد تكون بعدد الأنفاق التي لا تُعدّ.
لماذا كل هذه الحرب؟؟؟
هل هي بسبب اختطاف الفتية الثلاثة؟؟
طالب الصف الأول يعرف أن الحرب أُعلنت على حماس قبل عملية الاختطاف، ويعرف أيضا أن عملية الاختطاف وما رافقها من تعاطف أو غضب، رافقها أيضا الكثير من علامات الاستفهام، وان الشعب الفلسطيني تحمل ألكثير من الاختطاف قبلها وبعدها.
وطالب الأول ثانوي يعرف أن هذه الحرب فُصِّلت وصُمِّمت في أروقة ومطابخ السياسيين في أكثر من دولة في هذا الشرق التعيس، قبل عملية الاختطاف بأيام وشهور وربما سنين.
ورجل الشارع يعرف أن بعض الدول العربية شريكة وفعّالة في تصميم وتنشيط هذه الحرب وإيقاد جمرها كلما أوشكت نارها أن تصبح رمادا، إنهم يريدونها أن تستمر من أجل القضاء على حماس.
وحماس كحركة دينية لها أصولها التي قد لا نتفق معها، ولا يهمنا أو يهمها إن اتفقنا على هذه الأصول أو لم نتفق.
ولكن هذا لا يعني أن نلغيها كحركة مقاومة؟
هل المقاومة مظهر إلحادي يكفر بالله وباليوم الآخر؟؟
أليس من حق الشعوب أن تقاوم الاحتلال؟؟
فرنسا قاومت الاحتلال النازي بقيادة ديغول،عندما احتل النازيون باريس.
الشعب الأمريكي قاوم الاحتلال الانجليزي أو ما سمي بالاستعمار الإنجليزي لأمريكا.
مصر قاومت في حرب الاستنزاف عام 1969، وفي حرب تشرين 1973 .
فيتنام قاومت الاحتلال الفرنسي ومن بعده الاحتلال الأمريكي ربع قرن.
الجزائر قاومت الاحتلال الفرنسي... الأرجنتين قاومت الاحتلال الإنجليزي لجزر الفوكلاند.... .
وقائمة الشعوب التي قاومت الاحتلال طويلة بطول التاريخ
لماذا لا يحق لسكان قطاع غزة مقاومة الحصار الذي فرض منذ ثماني سنوات؟
هل يجب أن يستمر الحصار اللا إنساني ثمانين أو ثمانمائة سنة؟؟!!
وهل يحب على أهل غزة أن يدمنوا الحصار، ويقدموا لمن يفرضه ولاء الطاعة مع قهوة الصباح وتحيّة الصباح، ويدعون له كل مساء بطول البقاء واللقاء؟؟؟
إذن هل تستطيع حرب الإبادة هذه أن تلغي المنطق، وتجعل الحصار مقبولا على الجد وعلى الأب وعلى الابن والحفيد في المستقبل الآتي؟؟؟
نعم حرب إبادة، وعلى الطرفين المتحاربين، وأنا أكتب هذه الكلمات يطل على الشاشة الصغير اقتباس عن معاريف يقول أن ألف كرسي متحرك في طريقها للجنود في مستشفيات إسرائيل! سواء كان الاقتباس صحيحا أو كاذبا، تظل في هذه الحرب إبادة، وحروب إسرائيل دائما فيها الكثير من الإبادة، لأنها تمتاز بقتل اكبر عدد يمكن قتله، وتدمير كل ما أمكن من تدميره، دون التقييد بالمواثيق الدولية والإنسانية، ودون اعتبار للطفولة أو العجزة أو المدنيين أو المدارس أو المستشفيات أو دور المسنين.
ومع ذلك والمتتبع لحروب إسرائيل يشهد أن أيّا من هذه الحروب لم يجلب الهدوء أو الأمن أو الأمان على الإسرائيليين!
هل يتوقع عاقل أن يتوقف الغزيّون عن مقاومة الحصار وأن يطردوا حماس الفلسطينية أن هي قاومت الحصار؟؟
ستخرج غزة من هذه الحرب مدمرة، كما خرجت قبلها من الحروب، وستُبنى غزة بأموال الذين طلبوا من إسرائيل القضاء على حماس، وطالبوا إسرائيل ألا تتوقف عن ضرب المدنيين، لأنهم سيمارسون عادة النفاق ويدّعون الوطنية، لحماية أنفسهم من شعوبهم.
والسؤال بعد هذا القتل والدمار من يضمن انه بعد عشر سنوات ، بحصار أو بدون حصار، أن لا يحفر الغزيون شبكة أنفاق أكثر إتقانا من هذه الشبكة التي عجز الطيران الإسرائيلي ومدرعات جيش إسرائيل وجنوده الذين لا يُقهرون عن دخولها، تحت غزة ودير البلح وخان يونس ورفح وغيرها من المدن والقرى والمخيمات المتراصّة على بعضها في قطاع غزة؟؟؟
من يضمن أنه بعد عشر سنوات أو أكثر، لن يكون لدى المقاومة في غزة، تحت أيّ مُسمّى، صواريخ من إنتاج محلي أو عالمي أكثر فتكا أو أكثر دقة، وأطول مدى، مما لديها الآن والتي جعلت الملايين في إسرائيل بطولها وعرضها، تركض إلى الملاجئ ؟؟ كلما انطلقت صفارة إنذار أو بوق سيارة إسعاف، أو إطفائية أو شرطة أو حتى بوق سيارة عادية؟؟
من الذي يضمن أن ربات البيوت في مستوطنات حاضن غزة، والجنوب والمركز لن ترتعد خوفا عند سماع خشخشة فأر في البيت، من أن يكون نفقا تحت مصطبة البيت يخرج منه مقاتلا أمام جهاز التلفزيون أو مكتبة الأولاد ؟؟؟
من يضمن...ومن يضمن؟؟؟
وكثيرة هي الأسئلة التي ليس لها سوى جواب واحد هو السلام.
السلام القائم على العدل، وعلى الحق، ومع السلام التعامل مع الشعب الفلسطيني أينما كان كبشر سلبت منهم أرضهم ، وسلب منه وطنهم ، ولهم كيان يجب ان يقوم على شكل دولة، عاصمتها القدس العربية، ومدنها وقراها نظيفة من الاحتلال، والاستيطان والمستوطنين الذين يتصرفون بوقاحة واستفزاز.
السلام العادل هو الضامن والكفيل بأن يذهب أبني وابنك وابنها وابنه إلى مدارسهم والعودة منها آمنين
السلام هو الضامن للأمن والأمان أكثر من القبة الحديدية أو الفولاذية، وأكثر من طائرات الأف 16، وترسانات الولايات المتحدة التي تفتح أمام إسرائيل عند كل حالة طوارئ.
فعلى حكام إسرائيل أن يقبلوا بالسلام من أجل بقاء الجميع.
31.7.2014