عملية "الجرف الصامد" (צוק איתן) التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية على قطاع غزة وحكومتها، وعلى القوات المسلحة العاملة من أراضيها منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، أودت بحياة العشرات من الأبرياء من كلا الطرفين، وكلّ من يتحلّى بذرّة من الإنسانية لا يمكنه ألّا يحزن ويتأسف على المشاهد الشنيعة من هدم للبيوت وقتل للأطفال.
ولكن ما ينبغي أن يكون واضحاً للجميع هو أنّ المسؤولية للعملية العسكرية لا تقع على عاتق أحد من أبناء الطائفة الدرزية في البلاد. لأنّ قرار الحرب لم يُتخذ في المجلس الديني الأعلى للطائفة الدرزية، ولا على مستوى رؤساء المجالس المحلية الدرزية، ولا على يد رئيس مجلس قرية جولس الذي أعلن استقالته من منتدى السلطات المحلية الدرزية موخراً، ولا حتى على مستوى مجلس الطلاب في المدرسة الابتدائية في قرية عين الأسد أصغر القرى الدرزية الواقعة على الحدود الشمالية .
وإن كان لا بد من كلمة حق فأنا أعتقد بأن القارئ سيوافقني الرأي على أنّ أبناء الطائفة الدّرزية لا يد لهم في القتل والاغتصاب اللذَين ترتكبهما داعش في حق المسلمين واليزيديين والمسيحين في العراق، ولا بالكيماوي الذي استعمل في سوريا، ولا بقرار الحكومة المصرية بإغلاق المعابر أمام أهل غزة، ولا في المؤامرة الثلاثية بين دول الخليج وأميركا والسلطة الفلسطينية في رام الله على حكومة حماس في غزة.
يحاول البعض التلويح بالخدمة العسكرية التي يقوم بها جزء من أبناء الطائفة كسبب مباشر لأضرار عملية "الجرف الصامد" على غزة، متناسين بشكل ملحوظ أن نسبة الدروز من عرب الداخل أقل من عشرة في المئة، وفي حين احتسبنا المعفيين من الخدمة العسكرية كالمسنين، والنساء، والأطفال، والرافضين للخدمة للأسباب ضميرية، نرى أن نسبة الذين يخدمون أقل بكثير من نسبة الشباب العرب من باقي الطوائف الذين يخدمون في الجيش تطوعًا. ناهيك عن العشرات من الشباب والفتيات منهم والذين يخدمون في إطار ما يعرف بالخدمة القومية والتي عادة يتم تنفيذها في مؤسسات حكومية.
لا أريد أن أدّعي بأنّني لا أستطيع تفهم الغضب العارم الذي يسود أوساطًا واسعة في صفوف المعارضين للحرب، ولاسيّما العائلات العربية التي تربطها علاقات عائلية بأسر من غزة. ولكن في حال كان لا بدّ من موقف لعصيان ورفض فأعتقد أنه قبل أن نطالب باستقالة بعض من الضباط والجنود الدروز، من الواجب أن نبدأ المطالبة باستقالة كلّ من يلوّح بكونه قيادة "وطنية فلسطينية" من على منبر أكثر مؤسسة تمثل الكيان الإسرائيلي الصهيوني واسمها في كل اللغات "كنيست إسرائيل"، وتحديداً بعد أن اقتصر عملهم البرلماني في السنوات الأخيرة وفي ظل حكومات اليمين على مسرحيات إعلامية تافهة لا تجدي نفعًا، وباستقالة آلاف المعلمين الذين يحصلون على رواتبهم من وزارة التربية والتعليم، ومئات الحاضنات اللواتي يحصلن على رواتبهن من وزارة الاقتصاد، وعلى آلاف العاطلين عن العمل والعُجّز الذين يحصلون على رواتبهم من وزارة الرفاه الاجتماعي رفض هذه الرواتب، وهو ما يجب أن ينطبق أيضًا على آلاف الموظفين في المجالس المحلية العربية الذين يحصلون على رواتبهم من وزارة الداخلية .
وهنا أظن بأن القارئ سيوافقني أيضاً بأن عشرات آلاف الذين ينتمون إلى واحدة من المجموعات المذكورة أعلاه حالهم كحال الضباط والجنود الّذين يخدمون سياسة الحكومة، ولربما يكمن الفارق الوحيد فيما بينهم بالخدمة المباشرة ليس إلا، فهم أيضاً يخدمون سياسة الحكومة ذاتها –حكومة أسرائيل- وإن اختلفت الطرق، وليس سياسة الاتحاد الأوروبي، ولا جمعية حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
إنّ ما نسمعه ونراه من اتهامات موجهة في الأيام الأخيرة لأبناء الطائفة الدرزية عبر الإعلام والشبكات الاجتماعية يعكس المثل الشعبي القديم "إلّي ما بيقدر على الثور بينطح العجل". ذلك بالرغم من معرفة العديد منهم للدّور الهامشي الذي يقوم به أبناء الطائفة وقيادتها السياسية في اتّخاذ مثل هذه القرارات، وتحديداً في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي- العربي المستمر منذ بداية القرن الماضي. فما الداعي أن يتّهم الكاتب مروان مخول من خلال مقالة مفصلة ومنقحة من على صفحات جريدة كل العرب قائد وحدة غولاني "بمجزرة غزة" متجاهلاً دور الحكومة الإسرائيلية وأنها صاحبة القرار الأول والأخير، ودور عشرات الآلاف من جنود الاحتياط والذين تم استيعابهم من أجل العملية، والطائرات المحاربة التي لم تتوقف عن القصف للحظة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، والسفن الحربية والدبابات والمدافع، وكأنّ الجيش الإسرائيلي خلا سوى من " ضابط غولاني" !!
والحقيقة بأنّ تشويش صورة أبناء الطائفة لا يقتصر على وسائل الإعلام العربية وحفنة من كتابهم فقط، بل يتعدّاها إلى عدد من الشخصيات السياسية العاملة في الوسط الدرزي، وبالأخص تلك التي لها علاقة مع أحزاب يهودية يمينيَّة، أو جمعيات غير حكومية مدعومة من قبل المؤسسات الصهيونية، والتي تصرّ على ربط عملية "الجرف الصامد" بأبناء الطائفة الدرزية لتستغل هذه الفرصة لتحسين مواقعها السياسية وتحصد ما تتمنّاه من دعم مادي. متجاهلة بذلك إصرار الحكومة الاسرائيلية منع أعطاء عملية "الجرف الصامد" صبغة دينية يهودية-إسلامية، والنسيج الاجتماعي الذي يربط بين أبناء الطائفة والطوائف الأخرى، والموقف المحرج لأبناء الطائفة في الدول المجاورة في ظل الإسلام المتطرف.
أما المجموعة الاكثر خذلانًا فهي تضم نخبة من أبناء الطائفة الفاعلين ضد الحرب ولهم علاقات سياسية مع مؤسسات وأحزاب عربية والتي في الوقت الذي كان عليها أن تدافع عن دور الجنود والضباط الواضح وعن الموقف الحيادي والإنساني للأغلبية من أبناء الطائفة، أخذ أفراد هذه المجموعة في ظل الأحداث بتبرئة أنفسهم من انتمائهم العائلي والطائفي ليلمعوا صفحتهم عند من يعرفون "بالرفاق". وهنا لا يسعنا إلّا أن نذكرهم بأن الواقع السياسي للشرق الأوسط متقلب، وكل من كان أخًا للسلاح حتى الأمس، صار عدواً سياسياً في الصباح، ومن باع أهله وعشيرته بسب موقف سياسي وتحديدًا بسبب "الجرف الصامد" عليه ألّا يتوقع مسانتدهم له عندما يأتي "الجرف الهادر".