نمت داعش في حضن القاعدة، ورضعت الإرهاب من ثديها، وتتلمذ أبو بكر البغدادي على يد معلمه وأستاذه أيمن الظواهري، وحاربت مع القاعدة النظام السوري، كفرع منها، إلى جانب منظمات أخرى كالنصرة، والجبهة الإسلامية، وأحرار الشام، وما يُسمى جيش سوريا الحر، ثم تقاتلت مع هذه المنظمات، إضافة إلى ممارسة أعمال إرهابية ، وخوض حروب في الرمادي والأنبار والموصل، انحصرت أعمالها أولا في إطار منظمة ، ولكن ظهورها الأخير في الموصل، وإعلانها عن أنها دولة إسلامية في العراق والشام، والإرهاب الغريب الذي تفجر كالبركان، واجتياحها للمدن العراقية كالتسونامي، تحركه أفكار ومعتقدات بدائية ترفضها ألأديان وأولها الإسلام، تعتمد على الجهل والعنصرية والتعصب الديني الأعمى، والذي ليس له سابقة في أيٍّ من الحروب الصليبية أو الفتوحات الإسلامية أوفي حروب القبائل في الجاهلية، هذه المنظمة لا يمكن أن تظهر من عدم، أو تولد من لا شيء، أو تنبت كالفطريات، لا بد لها من قوة، وكبيرة، تموّلها وتدفع حساباتها وتتكفل بتسليحها وكل ما تتطلبه من نفقات.
من هي هذه القوة التي تمول داعش؟؟ ومن هو المستفيد من وجود داعش، ومن إرهابها؟ وماذا يستفيد؟؟
للإجابة على هذه الأسئلة ينبغي التركيز على نتائج ما تمارسه داعش، وعل المدى البعيد، لا الحاضر أو المستقبل القريب.
وبما أنني لست بصدد تقديم بحث أكاديمي، أحاول بقدر رؤيتي للأمور، مستعينا بما قرأته في وسائل الإعلام العديدة ، وأكثرها أهمية مقالا للمحلل ميشيل حنا الحاج، أن أؤشر على عدد من العوامل سبق وذكرها الأستاذ ميشيل والتي قد تغذي هذه المنظمة لتجني الفائدة منها.
أعلنت السلطات العراقية أنها قبضت على ابرز ممولي داعش وهو محمد محمود عمر الدليمي الذي قام بتوزيع أموال طائلة على داعش وقادتها.
وهناك إشارات أخرى إلى مجموعات لا تزيد الواحدة عن عشرين أو ثلاثين شخصا، مجموعة من السعودية، وأخرى من باكستان، وغيرها من المغرب، أو السنغال.. والقائمة طويلة، تختلف الواحدة عن الأخرى، تشير إلى أنها، بتنسيق أو بدون تنسيق تدعم داعش، لكن ما يظهر أن داعش أقوى بكثير مما تستطيعه هذه المجموعات مجتمعة أو منفردة، والواقع أيضا يؤكد أن هذه المجموعات أو الأشخاص، إن وجدت، ما هي إلا صوت يعقوب لكن اليدين يدا عيسو، لأن هذا الدعم يعجز عنه أي تنظيم إن لم يكن دولة وقوية، لها مصالح بعيدة المدى، ولها مطامح وأحلام لتتمكن من إنشاء منظمة إرهابية كداعش، تتخذ شكل دولة تستطيع أن تجتاح بلادا واسعة كالريح، وترتكب ما لا يقبله الفكر المتحضر من جرائم.
أذن المستفيد لا بد أن يكون دولة وليس تنظيما محدود الإمكانيات، دولة وذات سيادة وإمكانيات هائلة ومصالح وأحلام.
إذن من هي هذه الدولة أو الدول؟؟؟
كثيرة هي علامات السؤال التي ترفرف حول أكثر من دولة، تتناغم مصالحها مع وجود داعش، وتتضارب أحيانا، من هذه الدول الولايات المتحدة ، والقاعدة وإن لم تكن دولة، وإيران وتركيا والسعودية وقطر والكويت وسوريا وإسرائيل وقد تكون هناك قوى أخرى لم تثر أية شكوك. وحين استعرض أيّا من هذه القوى كلا على انفراد مبتدءا بالأقرب لا بد من التأكيد على أن ما يذكر لا يخرج عن حدود الاحتمالات التي تفتقر إلى كثير من الأدلة الملموسة أو المؤكدة.
القاعدة - من البديهي أن تدور الشكوك حول القاعدة كممول وداعم، باعتبارها الأم التي خرجت داعش من رحمها. لكن الخلاف الذي نشأ بين أيمن الظواهري قائد القاعدة بعد أسامه بن لادن، وبين داعش قبل أن تحمل اسم دولة العراق الإسلامية، يوم كانت مجرد منظمة، حين طلب الظواهري أن يقتصر عمل داعش في العراق، وأن يترك الشأن السوري للنصرة ، هذا الخلاف الذي أدى إلى انشقاق داعش عن القاعدة، وإلى حرب مع النصرة، وأدى أيضا إلى أن يلغي أيمن الظواهري دعمه لداعش، هذا الخلاف يبقي السؤال ،من إذن يدعم داعش؟
السعودية – السعودية ضد داعش في كل مكان، وقد ألقت القبض على عشرات ممن ينتسبون لداعش، وتحاربه على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، لا احد ينكر أن السعودية بمشاركة أمريكية أسستا القاعدة وبن لادن، لطرد "الملحدين" السوفييت من أفغانستان، كل بدوافع مصالحه ورؤيته الخاصة، لكن السعودية لم تستطع الاستمرار في دعم القاعدة خاصة بعد ضرب برجي نيويورك ومصالح أمريكية في أماكن عديدة، ولا يمكن أن تمول داعش خاصة بعد ان قامت هذه بمحاربة الجبهة الإسلامية التي تتبناها السعودية في حربها ضد النظام السوري، ولا يمكنها أن تتبنى داعش بعد جرائمها ضدا النصارى وذبحها بشكل وحشي لكل ما هو غير سنيّ.
إيران – حتى لو كانت إيران تحلم بأن يكون لها من يسهل تدخلها في العراق، لكنها لا يمكن أن تمول داعش التي تحارب النظام السوري، وحزب الله حليفي إيران، وتحارب الشيعة لكونهم شيعة، ولأنها مبدئيا ترفض قيام دولة سنية قوية بينها وبين حليفتها سوريا.
قطر - قطر دولة صغيرة وتتعامل كالدول الكبرى بتدخلها في شؤون أكثر من دولة عربية، ربما تكون قد مولت داعش، لكي تلعب هذا الدور، خاصة في سوريا بواسطة تجنيدها للمرتزقة، وقد يكون اندس بينهم أفراد منشقون عن القاعدة، وقد تكون قطر حين مولت قوات المقاتلين في سوريا قد مولت داعش من ضمنها، لكن هناك من يقول أن التفجير الذي حدث في عاصمتها لم يكن نتيجة اسطوانة غاز، كما أعلن، إنما نتيجة عمل إرهابي من داعش عقابا لها على توقف دعمها، هذا بالإضافة إلى أن قطر المستميتة في محاربة الأسد، غير معنية بدعم داعش في تدخله في العراق، حيث تحاول لعب دور الوسيط في حل مشاكل العراق، ولا تستطيع قبول جرائمه التي لا يقبلها من له مصالح وتحالف مع أوروبا وأمريكا.
الأردن – قيل الكثير عن إقامة معسكرات على الأراضي الأردنية، لتدريب المنظمات التي تقاتل النظام السوري، وقد يكون لداعش مكان بين هذه التنظيمات، خاصة وأحد قادتها أبو مصعب الزرقاوي أردني الجنسية ويتمتع بشعبية في الأردن، وتشكل معان معقلا للسلفيين الذين خرجوا مؤخرا بمظاهرةٍ تأييداً لداعش، ولكن توسع الدولة الإسلامية، وإلغائها لحدود سايكس بيكو، واستيلائها على معبر تريبيل بين الأردن والعراق، جعل العالم يعتقد أن الهدف الثاني لداعش هو الأردن، لكون داعش يعتبر الأردن منصة انطلاق لفلسطين (بعد تحرير الوطن العربي من عربه وعروبته)، الأمر الذي يستبعد أن يكون النظام الأردني الذي دعم المنظمات التي تحارب سوريا، أن يدعم داعش لخطرها عليه، ولأن إمكانياته لا تسمح بتمويل منظمات إرهابية كداعش الذي يحتاج إلى الكثير من المال.
مصر – منذ قمة الطائرة في 21 حزيران 2014 بين السيسي والعاهل السعودي، أكد السيسي موقف مصر من داعش، إذ اعتبرها تنظيما تكفيريا، مثله مثل التنظيمات الإرهابية التي تعمل في سيناء، وترى مصر في داعش خطرا قد يأتيها على طول 1000 كم من الحدود الليبية المصرية، وقد أيد السيسي المالكي ضد داعش، وهناك من يقول أن لمصر قوات في شمال السعودية لقتال داعش، إذا ما فكرت الأخيرة في مهاجمة السعودية، في ظل هذه الرؤية لا يحتمل عاقل أن تكون مصر من بين الممولين لداعش.
تركيا – تركيا سارت على خطى قطر بتجنيدها للمرتزقة، كي يكون لها قوات على الأرض السورية ، ليكون لها دور فيما بعد تطوّر الأمور هناك، وقد يكون بينهم مندسون من داعش، خاصة بعد أن رأت فيهم خير من يخدم مصالحها بإثارة الرعب، بما يرتكبوه من جرائم وحشية، ولكن تركيا صارت ترى بوجود داعش قرب معابرها مع سوريا تهديدا لأمنها القومي، وأكثر من مرة درست القيام بعمليات عسكرية محدودة داخل سوريا، للحد من تصرفات هذه المنظمة، ولم تستبعد موافقة سوريا في ذلك، الأمر الذي يشير إلى أن سوريا ترى مصلحتها في ضرب داعش، وقد ضبطت تركيا أسلحة على أراضيها، أُدخلت دون علمها، وحين بدأت داعش تحارب تنظيمات تابعة للسعودية، حليفتها، الأمر الذي أثار مخاوف تركيا من أن تنقلب داعش عليها أيضا، توقفت عن دعمها لداعش خاصة بعد أعمالهم الوحشية مع نصارى الموصل، وهي لا زالت يراودها حلم الانضمام إلى السوق الأوروبية، هذا إن وجد الدعم.
سوريا – أعداء سوريا يتهمونها بأنها أطلقت سراح سجناء شكلوا نواة داعش، لتثير الرعب لدى الغرب من الإرهاب الذين يحاربونها، يتضاءل هذا الاحتمال أمام عدد هؤلاء السجناء الذي لا يتعدى المئات، وأمام عدد وجنسيات جنود داعش المختلفة الذين لم يكونوا أصلا في سجون سوريا، وأن داعش تقاتل الجيش النظامي في سوريا، وتحتل أراض سورية، وان سوريا التي يهمها أن لا تثير المزيد من الأعداء ضدها، لا يعقل أن تناصر إرهابا وحشيا في حين تدعي أنها تقاتل الإرهاب.
الكويت – قد تكون الكويت هي المستفيد الأكبر، حين ينشغل العراق بحروب لا تنتهي، وينسى أن الكويت ولاية عراقية، ويكف عن التفكير في ضمها، لكن لا يعقل أن تمول الكويت داعش بعد أن توسعت داعش في مقاتلة النظام السوري لتقاتل في العراق، وبعد تأسيس دولة الإسلام في العراق والشام، غير البعيدة عن أبواب الكويت،وقد أعربت الكويت على لسان رئيس حكومتها عن قلقها من توسع داعش، وعن استعدادها لدعم الجيش العراقي، ودعوتها دول الخليج لاتخاذ موقف موحد لصد توسع داعش، لأنه ليس هناك من يضمن أن لا تفكر داعش باكتساح الكويت كما اكتسحت الكثير من أرض العراق تحت أنف الأمريكيين وحلفائهم ومن ضمنهم الكويت.
الولايات المتحدة – أصبح بديهيا أن القاعدة من صنع الويلات المتحدة، وأن داعش وهي ضمن القاعدة، تنتمي بحكم أن الويلات المتحدة جدتها، ومما يعزز هذا الاحتمال، كون الولايات المتحدة التي تملك كل وسائل القوة والمعرفة العسكرية وأسرارها ،تفرّجت على داعش وهي تكتسح المدن العراقية، وتزرع فيها الجرائم الوحشية، ولم تحاول إيقاف تناميها يوم كانت طفلة تلهو على ملاعب ابنتها القاعدة، والسؤال لماذا الولايات المتحدة تفرجت على داعش في العراق وسوريا، وتقاتل القاعدة قي اليمن وأفغانستان وغيرها، تناقض يثير الشك في أن الولايات المتحدة تدعم داعش لتوقف المد الإيراني في العراق.
إسرائيل – إسرائيل تقف على جانب الحدود السورية الإسرائيلية في الجولان المحتل، وداعش تقف على الجانب الآخر من نفس الحدود، لكنها تطلق نيرانها على سوريا وليس على إسرائيل، وجرحاها يُعالجون في مستشفيات إسرائيل، وهناك من يقول بوجود ضباط إسرائيليين يدربون جنود داعش، وإسرائيل كعدوه لسوريا، يهمها، كتركيا، أن تكون لها قوات في سوريا من المرتزقة، بحيث يضمنون لها الفصل فيما تتطور إليه الأمور في سوريا.
إذن فائدة إسرائيل من داعش كبيرة، خاصة بأفعالها البشعة وإرهابها غير المسبوق، ومما يعزز هذا الاحتمال امتناع الولايات المتحدة عن ضرب داعش قبل أن تقوى، باعتبارها ربيبة إسرائيل، وإرهابها مُسَيطر عليه إسرائيليا، وبالتالي أمريكيا، ، وإذا دخلت داعش في قتال ضد الجبهة الإسلامية التي تمولها وتتبناها السعودية وضد باقي المنظمات التي تمولها أو قطر أو تركيا أو غيرهما، مثل أحرار الشام والنصرة وجيش سوريا الحر يصبح الاحتمال الأكثر قبولا وهو أن إسرائيل وأمريكا هما اللتان تدعمان وتمولان داعش، وتدفعان فاتورتها، وفد يكون ذلك بأموال العرب، لكنه تلبية لرغباتهما ولخدمتهما.
وإذا صح انه لا مصلحة للسعودية أو تركيا أو إيران أو سوريا مصلحة في تمويل داعش ، تظل أصابع الاتهام مصوبة باتجاه إسرائيل وحليفتها أمريكا.
ومع ذلك يظل هذا الطرح السريع مجرد احتمالات، غير مؤكدة، تعتمد المنطق والرؤية أكثر من اعتمادها الأدلة الملموسة، وتظل، ونظل معها على أبواب الأيام ننتظرها لتكشف لنا ما نحتار اليوم في فك لغزه.
11.8.2014