بأجواءٍ من الحزن والأسى على فقدان أحد أعمدة الشعر العربي المعاصر، شاعر فلسطين والإنسانية وَدَّع الآلاف من أهالي الرامة والقرى والمدن العربية في اسرائيل وبينهم كبار الشعراء والأدباء من الجليل والكرمل والمثلث الشاعر الراحل سميح القاسم الذي وافته المنية ليلة أول أمس عن عمر يناهز الـ 75 عامًا قضاها في كتابة الشعر والنثر والأعمال المسرحية حيث أصدر أكثر من 80 كتابًا.
مراسم التأبين بدأت بنقل نعش المرحوم من مستشفى صفد الى بيت أهله في مركز القرية في حوالي الساعة العاشرة صباحًا، بعد ذلك تم نقل النعش الى بيت العزاء في بيت الشعب وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف جاب المشيعون بالنعش شوارع الرامة في مسيرة حاشدة تتقدَّمها فرقة الكشّاف وعلى صوت سميح القاسم الّذي كان يُرتّل أجمل قصائده عبر مُكبّر الصّوت مُتغنّيًا بالرّامة والوطن. وعند وصول النّعش إلى الملعب اصطفّ ذوو الفقيد والأقارب والمُقرّبون لاستقبال جُمهور المُعزّين، من بينهم وفد الجولان الّذي دخل إلى أرض الملعب مُردِّدًا أهازيج وطنيّة لسوريا وفلسطين وتخليدًا للشّاعر سميح القاسم.
وعند الساعة الثالثة بعد الظهر بدأت المراسم الرَّسميَّة بتأبين الفقيد بحضور كبار الشخصيات الأدبية ورجال الدين والسياسة ورجالات المجتمع وبحضور وفدٍ رفيع المستوى عن السلطة الفلسطينية برئاسة الدّكتور حسين الأعرج مندوبًا عن الرّئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك رئيس الحكومة الفلسطينيّة السّابق سلام فيّاض.
تولى عرافة مراسم التَّشييع الإعلامي وديع عواودة الذي دعا أولًا الإمام نزيه كيّوف لتلاوة الصلاة على روح الفقيد الكبير، ومن ثمّ ألقى رئيس مجلس الرّامة المحلّي شوقي أبو لطيف كلمة قال فيها: "أيّها الرّاحل الباقي معنا إلى الأبد، لا زال طيفك بيننا، كنت رجل المجتمع، صادقًا وأمينًا، شاعرًا، صاحب الصّفات الحسنة وصاحب القلب الكبير".
بعده ألقى الشّيخ موفق طريف الرّئيس الرّوحي للطائفة الدُّرزيّة كلمة قال فيها: "إنّ الموت حقّ والإيمان بالله حق والتّسليم بمشيئة الله حقّ، نقف اليوم خاشعين أمام عبرة الموت، مُودّعين الشّاعر الثّائر الكبير، العلم الخفّاق، واسع الآفاق. إنّه لفخر للطّائفة الدُّرزيّة الّتي ولدته شاعرًا، عرفناه خطيبًا، مُرشدًا ومُعلّمًا، لم يقتصر انتماؤه على قريته وطائفته، بل على كل الأمّة". وقال عنهُ إنّه الصّديق الوفيّ صاحب الخطوات الرّشيدة الّذي خدم في إصلاح المُجتمع".
تلاه المُطران عطالله حنا الّذي قال: "نُودّع الشّاعر المناضل والمُقاوِم سميح القاسم، أتينا ونحنُ ننتمي لديانات مُتعدّدة، لكنّنا نتوحّد اليوم في الدّفاع عن قضية فلسطين، فقد عُرِف عن سميح دفاعه عن فلسطين وشعب فلسطين الّذي لن ينساه".
القاضي الدّكتور أحمد النّاطور، رئيس محكمة الاستئناف الشّرعيّة الإسلاميّة سابقًا، قال: "نُودّع رجُلًا طوّع الزّمان في مكان في أمس، امتطى صهوة الزّمان وكان الحق أضيع من أمس".
وتحدَّث فايز شتيوي، رئيس صحيفة كل العرب زميل الشّاعر الرّاحل قائلًا: "ترجّل الفارس سميح صاحب الإنسانيّة، فكلماتي تأبى تصديق رحيله، أعرفه كيف كان ينشر الضّحكة بين العاملين في الصّحيفة"، وقال: "أعاهِدك يا أخي أنَّنا لن ننساك".
أمّا محمد علي طه فتحدّث باسم الكُتّاب والأدباء وقال: "الموت لا يعرف الانتظار، إنّك تُودّعنا اليوم مرفوع القامة لما قدَّمت للثّقافة العربيّة من قصائد ومسرحيّات خالدة، غنت لشعوب العالم وأنشدها الرّجال والنِّساء والأطفال".
وتحدَّث رئيس كُتلة الجبهة النائب محمد بركة قائلًا: "اليوم نُودّع سميح القاسم الجسد في تُراب الجليل، شكرًا لك أبا وطن، إنهض وانظر شعبك، مُحبّيك، اجتمعوا من كلّ حدب وصوب ليرسموا بأسمائهم خارطة لفلسطين مصنوعة من مادّة الحُب".
وتحدَّث الدكتور حسين الأعرج مندوبًا عن الرّئيس الفلسطيني محمود عبّاس، الّذي قال: "نُودّع اليوم أخًا شاعرًا، مُثقّفًا، الأكثر من ذلك مُناضِلًا، مثالًا للمُناضل الصّلب، عمل بكلّ إخلاص لوطنه وكان مثالًا لوحدة أبناء شعبه في الوطن والشَّتات. فقد استحقّ أسمى وسام قلّده إيّاه الرّئيس الفلسطيني، وقرأ رسالة التّعزية من الرَّئيس أبو مازن، جاء فيها:"تلقَّينا ببالغ الألم نبأ وفاة الشّاعر العظيم سميح القاسم. لقد فقدت أمّتنا شاعر الأرض والقضيّة والإنسانيّة، فارسًا من فُرسان هذا الوطن، عرفناه وفيًّا لأمَّته مُنذ النّكبة، ووقف مُدافعًا عن شعبه تاركًا بصمة في الشّعر المُقاوِم من أجل الحُرّيّة والعدالة والإنسانيَّة".
وكان مسك الختام كلمة العائلة، ألقاها الدّكتور نبيه القاسم، الّذي قال: "فقدنا وفقد شعبنا العربيّ ومُحبّو الحُرِّيَّة وصوت المُقاومة سميح القاسم الّذي وقف إلى جانب الحق وضدّ الظُّلم والظُّلّام. عرفنا عن سميح قوله: "أنا لا أحبّك يا موت ولكنّي لا أخافُك"، وشكر باسم عقيلة المرحوم وأولاده وأشقّائه والعائلة جميع من وقف معهم في مصابهم وجميع المُشاركين في مراسم التَّأبين.