في العام 1964 أصدر الأديب الشهيد غسان كنفاني كتابه" أدب المقاومة الفلسطينية" تطرّق فيه الى أدباء وشعراء الدّاخل الفلسطيني الذين عضّوا على تراب الوطن بالنواجذ بعد النكبة الأولى في العام 1948، أمثال الرّاحلين محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، راشد حسين، سالم جبران، إميل حبيبي، إميل توما، وحنا ابراهيم، وحنا أبو حنّا وغيرهم، وهؤلاء انقطعت أخبارهم عن شعبهم فيما تبقى من فلسطين وفي مخيمات اللجوء، وعن أمتهم منذ النكبة، لكن المبدع الفذ الشهيد غسان كنفاني انتبه لابداعهم وأصدر كتابه آنف الذكر معتمدا على بعض الأدبيات التي كان يحصل عليها كصحافة الحزب الشيوعي الاسرائيلي"الاتحاد، الجديد، والغد" وغيرها. بل اعتبار غسان كنفاني لهم بأنهم أدباء مقاومون كان واحدا من الأسباب التي نشرت أسماءهم في العالم العربيّ كما النار في الهشيم.
وجاءت هزيمة حزيران 1967 -وهي نكبة أخرى- وما خلفته من احتلال ما تبقى من فلسطين"الضفة الغربية بجوهرتها القدس وقطاع غزة" اضافة الى صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، ليقع حوالي مليون فلسطيني -عددهم الآن أكثر من أربعة ملايين- تحت الاحتلال، وطبيعة الحياة واستمراريتها فرضت هي الأخرى واقعها على الشعب المنكوب، ومع نزوح عدد كبير من الآباء المؤسسين للابداع الفلسطيني الى خارج فلسطين، إلا أنه بدأ ما يمكن تسميته أدب المناطق الفلسطينية المحتلة في حزيران 1067، والذين استفادوا من تراكم تجربة أدباء الداخل الفلسطيني، فظهر شعراء وقاصون وفنانون تشكيليون ومسرحيون إضافة الى من تبقى من الجيل السابق لهم أمثال الشاعرة فدوى طوقان، الشاعرعبد اللطيف عقل، محمود شقير –الذي اعتقل مرتين وأبعد الى لبنان عام 1975- وخليل السواحري –الذي اعتقل وأبعد الى الأردن في حزيران 1969- صبحي الشحروري، جمال بنورة، ابراهيم العلم وآخرين.
ونحن هنا لسنا في مجال التأريخ للحركة الثقافية في هذه المرحلة، لكننا نُذَكّر بالحصار الثقافي الذي عاشته الأراضي الفلسطينية المحتلة، واخضاع النشر فيها الى رقابة عسكرية صارمة، ومنع ادخال آلاف الكتب الى السوق المحلي، ولم يرفع هذا الحصار وهذه الرقابة إلا في تسعينات القرن الماضي بعد ظهور الشبكة العنكبوتية- الانترنت- لأنه لم تعد للحصار وللرقابة جدوى.
وقد عانى الابداع الفلسطيني في المناطق المحتلة من قلة النشر والانتشار، وأصبحوا في قطيعة عن امتدادهم العربيّ. ولم يقتصر حصارهم على عدم اطلاعهم على الحراك الثقافي في العالم العربي فقط، بل إن العكس صحيح أيضا، فلم يعد المثقفون والمبدعون العرب يطلعون على النتاج والحراك الابداعي الفلسطيني على الأرض الفلسطينية. فهناك عشرات المبدعين في مختلف مجالات الابداع والذين صدرت لهم عشرات الأعمال الابداعية، ولم يسمع بهم المهتمون أو المتابعون للشأن الثقافي في العالم العربي. بل بقوا في دائرة النسيان العربية وكأنهم غير موجودين.
والمحزن أن تجاهل مبدعي الأراضي الفلسطينية المحتلة عربيا لا يزال قائما حتى الآن بشكل وآخر، وكأن الثقافة الفلسطينية والتي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية لم تعد ذات اهتمام لدى المثقفين والمبدعين، واتحادات الكتاب العربية والمؤسسات الثقافية العربية، تماما مثلما يجري ابعاد القضية الفلسطينية عن اهتمام الجماهير العربية مع أنها قضيتهم الأولى. وإلا فكيف يمكن تفسير عدم إعادة طباعة الابداعات الفلسطينية وتوزيعها في العالم العربي؟ وكيف يمكن تفسير عدم دعوة روّاد ونشطاء الثقافة الفلسطينية الى غالبية النشاطات الثقافية العربية؟ ولماذا لا يحظون بما يليق بهم من رعاية إذا ما أتيحت لهم فرصة الخروج من وطنهم الأسير؟
ولكم أن تتصوروا أن مؤسسات ثقافية فلسطينية في الأراضي الفلسطينية لا تملك أن تدفع فاتورة كهرباء مقرّها كاتحاد الكتاب الفلسطينيين في رام الله، وكالمسرح الوطني الفلسطيني في القدس.
والحديث يطول.
14-9-2014