لقد صدق الشاعر حين قال:
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
فما أعجب الزمان الذي وصلنا إلبه ..؟؟ ولكن ما العجب وقد ذكرت لنا جميع الديانات السماوية عن هذه العلامات التي تظهر في آخر الزمان حيث – يصبح الأخ كالفخ والغريب كالذئب والأقارب كالعقارب.. ويقل الحياء من وجه النساء وتقل النخوة من رؤوس الرجال وتُخطّب البنت نفسها بنفسها والشاب كذلك الخ.. من علامات آخر الزمان..!!
إذ إنقلبت الموازيين والمعايير فأصبح أنذال القوم أسيادهم ليصبح العبد سيدا والسيد عبدا ....ويُمسي اللص حاكما واللئيم شجاعا ..والخُرّمة زعيما والزاني ذو كرامة ..وتتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء ..
لتصدق الحكمة التي أطلقها أحد فلاسفة اليونان – إذا قل الحياء وقع البلاء
أكتب هذا لمرارة الواقع الذي نعيشه ولسؤ الأحوال التي وصلنا اليها وإلى الإنفلات الأخلاقي والضياع الذي يعيشه غالبية مجتمعنا ..ككل دون إستثناء ..وأكثر ما دفعني هو غيرتي على مجتمعي أولا وأمتي عامة..حين شد إنتباهي ما قرأته في الإنترنيت من كلمات جاءت مطابقة لواقع الحال المُزري والمُخزي الذي نعيشه ونُعايشه حيث كتب-
( عجبت لمن يتحدث عن الطُهْر وثيابه ملطّخة بالعُهر والدنس...
عجبت لمن يتحدث عن الفضيلة وفي صفحات أفعاله تتجسد الرذيلة
عجبت لمن يتحدث عن الصدق وأفعاله تُكذّب أقواله
هل هانت عليكم مرؤتكم..أم ثَقُلت عليكم رجولتكم
هل تلاشت منكم أخلاقكم أم طاشت منكم عقولكم )
فالمصيبة ليست الموت وإنما هي موت الأخلاق.. فعندما تُفتقد الأخلاق تُفتقد الرجولة.. فتليها الكرامة والشهامة
فيا أبناء قومي ويا أيها القيّمون على الدين والسياسة والمجتمع ..أين نحن من الماضي القريب ..حيث كان الناس يتسابقون لعمل الخير والفضيلة والإصلاح والتسامح ..والنجدة والنخوة والكرم ..ويتباهون بالمروءة والرجولة والحفاظ على العرض والأرض والدين ..
فكان الرجل إذا قطع عهداَ وأعطى وعداً ..كانت بمثابة فرمان سلطاني وحجة يتقيد بها لو كان ذلك على حساب قطع رأسه ..فكان الوفاء بالعهد فضيلة يتهافت الناس عليها ..فكان الرجل يُمسك بشاربه حين يقطع وعدا ..فلا تُزحزهه الجبال والعواصف عن وعده وعن موقفه ..
كان رجال الإصلاح والخير من ذوي الضمائر الحية ..لا ينامون الليل حتى يُصْلحوا ذات البين بين الفرقاء والمتخاصمين ..فكانوا يجوبون الشوارع ويسهرون الليالي ويدقون الأبواب لفك النزاعات والخصومات ..بين الأهل والجيران وأبناء البلد الواحد .. وحتى خارجه..كي يُزيلون الضغينة من القلوب ليحل محلها التسامح والألفة والمحبة ..وكان ذلك يظهر جليا قبل حلول أيام العيد ..حتى يفرح الناس وتمتلىء قلوبهم بالبهجة والمحبة بدل الحزن والكراهية ..كم كان الناس يهبُّون لمساعدة ونجدة بعضهم في إعمار بيت أو ترميم حضيرة أو إعادة سرقة من سطو.. أو مساعدة حصّاد تأخر في حصاد موسمه أو تعرّض لحادث ألمّ به أو مرض أقعده عن العمل
كان الناس يتسابقون في إلقاء التحية في الشارع ..أو إعطاء مكان جلوسهم لمن هو أكبر منهم سنّا يهبّون واقفين لفتاة أو إمرأة أو حامل أو مُسن صعد إلى حافلة ركاب ..ويتراجعون عن ركوب حافلة وقفت لتقلّهم في الشارع سامحين لمن ذكرت بالصعود أولا ..إذ كان إحترام الأهل والكبير في رأس سلم الأفضليات.. عملا بالوصية التي جاءت في الديانات السماوية جمعاء – إحترم أباك وأمك ومن هو أكبر منك سناً ..
كما لا زلت أذكرفي بيتنا عندما كنت صغيرا.. حين كان الأقارب والجيران يتخاصمون ويتنافسون في دعوة ضيف إلى وليمة أو مبيت (والزعلان أكثر من الراضي)..فأين نحن من ذلك اليوم ..؟؟!!
فسبحان مُغيّر الأحوال ..إذ إستشرى الفساد والكذب والنفاق والحسد والبغضاء والضغينة مكان الفضائل التي تربينا عليها ..والأغرب تمسّك الناس بالقشور والإبتعاد عن اللباب ..فها نحن نرى الإنفلات الأخلاقي والسلوكي في المجتمع خاصة بين البعض من أبناء الجيل الصاعد والصبايا والشباب وأحيانا الكبار..ونرى تفشي ظاهرة العنف والقتل والسرقة وتعاطي المخدرات وآحتساء المشروبات المسكرة وآرتياد السهر في نوادي السنوكر والنرجيلة والتسكع في الشوارع حتى طلوع الفجر ..كل ذلك يجري تحت سمع القيادات الدينية والسياسية والإجتماعية أو من تُسمي نفسها بذلك ..وهنا أتساءل ماذا فعلتم وماذا تفعلون حيال ذلك ؟؟ خاصة رجال الدين !!
فنرى (رجال الدين؟؟!! ) وخاصة الإخوان ..يحاولون تحريم تعليم الفتاة وسياقتها للسيارة ( فماذا اختلف سوى وسيلة النقل فكانت النساء والفتيات يركبن البهائم من خيل وحمير وبغال وحتى الجمال في القرية وخارجها عندما كن يذهبن للكروم والحقول وقطع الحطب وحلب الماعز .. فمن أستر رُكب السيارات أم البهائم ؟؟!! أوليس الأفضل أن تحصل على رخصة سياقة كي تصل الى مدرستها أو تزور أهلها أو صديقاتها أو تؤدي واجبا أو تسأل عن أولادها أو أطفالها في المدرسة أو تذهب لعيادة الطفل أو زيارة صندوق المرضى أليس أفضل من المشي في الشارع لتنتظر أن يقلها جار أو غريب الى وجهتها أو تسير في الشارع وكل الأعين تتفحصها ..!!.. بينما نرى رجال الدين يتغاضون عن نزولها الى مكتب البطالة وحدها لتختلط مما هب من غير جنسها .. ويغضون الطرف عن قيامها قبل طلوع الفجر للسفر للعمل في البيارت والبساتين والمزارع ..أو العمل في مناوبات ليلية في مراكز الإتصالات او المصانع أو أماكن تعريب الفواكه أو تحضير اللحوم من الدواجن ..أو العمل في محلات البيع العامة خارج القرية كما هو الحال في الكنيونات ..كل ذلك دون وجود محرم إلى جانبها في أكثر الأحيان ..
أما أن تتعلم لعمل في مهنة شريفة كمعلمة أو ممرضة أو مهندسة أو محامية أو بائعة في دكان بيتي أو سكرتارية في مكان عمل عام ومحترم داخل القرية إلى جانب زوجها أو أخيها..أو تعمل كطالبة متبرعة أشرفت على إنهاء دراستها الثانوية من أجل أن تحصل على منحة دراسية لتُكمِل تعليمها.. لأن وضع أهلها المادي لا يسمح لها بذلك ..فهذا مُحرّم لدى رجال الدين والإخوان ممن نصبوا أنفسهم أولياء الله في الأرض وكأنما مفتاح ىالجنة بأيديهم ..ناسين من أوصلهم لهذا المنصب ..مفضّلين أنفسهم على من سبقهم من أجداد وآباء كان لهم المكانة الدينية المرموقة ..ولهم الباع الطويل في فهم أصول الدين ..من حلال وحرام ..أولائك الذين كانوا يُخالفونهم الرأي فيما يسنّونه من قوانين.. ولنا عبرة في البلدان التي حولنا كلبنان وسوريا ..إذ لا قوام للدين دون عمل ..إذ قيل إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وآعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ..وما العمل سوى العمل الصالح وليس التستر وراء الزي إذ قيل على لسان الرسول الكريم – ( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ..)ذلك الرسول الذي كان يعتبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه من أهل بيته ..هذا الصحابي الذي قال عنه الرسول (صلعم) –إن الجنة تشتاق الى سلمان أكثر من إشتيلق سلمان إليها..
وإن أكثر ما يدهشني هو ما يحاولون فرضه من قوانين إجتماعية من خلال فرض الحرمان الديني مذكّرين إيانا بعهد الكنيسة في القرون الوسطى وبما يجري مع ظاهرة الإخوان في العالم حولنا والمتزمتين من المتديينين اليهود ..فأفيقوا إلى أنفسكم وتذكروا أن الله قال- إن خير الأمور الوسط ..فعلى الدين أن يساير تطور العصر والزمان الذي نعايشه ونعيش فيه ..وأن يسهل معيشة الناس من خلال عمل شريف وليس ان يُعسرها في وجههم
يُحرّمون الكثير تحت شعار منع الإختلاط والمخالطة بين الجنسين وكأن الله خلق عالمين منفردين واحد لآدم والآخر لحواء .فأيها السادة إن الإختلاط الذي تتحدثون عنه موجود في كل مكان ..في البيت والشارع والمدرسة وأماكن العمل والبنك والبريد والعيادة والمستشفى والفندق والمواصلات العامة والأماكن العامة ..والرحلات والشواطىء والقاعات وحفلات الإنتخابات ومسيرات المشايخ في الشوارع والزيارات..حيث تباح المحضورات فيا للعجب فكفاكم الكيل بمكيلين !؟
وإن كنتم تتحدثون عن الإختلاط فماذا تُسمّون ما يجري من زيارات للأماكن المقدسة ..وما يحدث في الأسواق العامة وما يجري في رحلات المسنين والمحاضرات وآرتياد الفنادق للإستجمام في طبريا والحمة والبحر الميت ..وايلات والسفر قبل بزوغ الفجر الى العمل في البيارات والمصانع وتصنيف الفواكه وغيرها من المحلات التجارية ..إن وجه العجب أنكم تركتم كل ذلك وتبعتم تحريم المشاركة في الأفراح ناسين انكم بذلك تُخالفون إحدى التعاليم والوصايا التوحيدية حيث تقول – وشاركوهم في أفراحهم وأتراحهم وعودوا مرضاهم الخ..
فأين حفظ الإخوان .. إذ علينا أن نفرح لفرح بعضنا وأن حزن لحزن بعضنا ..إذ أن المؤمنين كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا ..
فأين أنتم من ذلك ..وأين واجب المشاركة في الأفراح أم أن المنع والتحريم أقتصر على هذا دون سائر الأمور التي هي أهم بكثير ..(كالزنا والزواج المختلط وتعاطي الممنوعات والإغتيالات والقتل والعنف ).. إذ أن أقل الأماكن اختلاطا هو أعراس الأفراح أما المخالطة فهي في أعراس التأهيل وما يحدث في الشوارع أثناء أعراس التأهيل ..وما يحدث في القاعات خارج البلدات الأمر الذي أنتم كنتم السبب فيه حين حرّمتم المشاركة في الأفراح فكل الذنب لما يجري هو في أعناقكم ..أفليس عندكم نظر ؟؟
أيها السادة كفى آستهتارا بمصائر الناس وعقولهم وعودوا الى ما آتبعه السلف الصالح قبل مئات السنين فنحن لسنا بأفضل ممن سلف.. وآعتبروا كيف تقدمت الشعوب ووصلت الى الرقي الحضاري والأخلاقي والعلمي ونحن لا زلنا نتحدث عن الأكل والشرب واللباس وكيف ترتيب الطاولات والكراسي والسفرة وتغيير عادات وتقاليد كانت أفضل بكثير مما هي عليه اليوم ..فمن ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل !!أقول هذا وأجري على الله متبعا قوله تعالى : وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين . !!لعلها تنفع الذكرى؟؟؟