اخي القارئ , أختي القارئة ,
كثيرون هم بني البشر الذين , كغيرهم , جاؤوا الى هذه الدنيا بقدرة قادرٍ , بعثهم المولى فيها لتأدية رسالةٍ بشريةٍ تدعم رسالته السامية التي حبا البشر بها بشرائع انبيائه ِ المكرمين العظام , لهدف تنظيم مسارات الحياة , والذود عن قدسية الانسان الذي خلقه الخالق على خلقِهِ , فراح هذا المخلوق يصول في هذه الدنيا ويجول , بعضهم طالباً التقرب من باريهِ , بعبادتهِ وبتقشُّفهِ , والبعض الآخر طالباً الرخاء والعز والمجد والشهرة , وكلٌ بما طلب راضياً واصلاً مبتغاه , متجاهلاً كون هذه الدنيا دارُ فناء وأن الآخرة دار بقاء , وأن ساعتهُ ما هي سوى ساعة امتحان المولى له , خيَّرهُ فيها الاختيار بين الخير والشر , بين الحق والباطل , بين الدين والدنيا , بين الخلاص والقصاص , أي بين الباري تعالى وبين إبليس الفنَّاص - خ !
انطلاقا مِن موقع الايمان الراسخ في قلبي بأن الخير موجود بداخل جميع مَن خَلَق الله مِن البشر , وأن الأمل لا زال معقوداً على محاولة الارشاد والتنوير لأصحاب القلوب التي لم يَلِجِها نور الايمان بعد , أُدرِجُ أدناه بعض ما لدي عن الدنيا , علني أوفق في تقريب بعض القلوب الى حاضِرةِ باريها , رب القدرة , جلَّ وعلا .
الدنيا , وما ادراك ما الدنيا !!
شَرَكُ ابليس هي , وبها اصطادَ ويصطادُ الكثيرين مِن عباد الله , فتحوَّلوا ويتحوَّلون الى عبادته ليصبحوا من زبانيتهِ , وقد حُكي وقيل عنها ما أوجب عليك , انت الانسان المؤمن , التَحَرُّز منها , فلا تدعها تغرّنك بِمُغرياتها المسترجعة ولا بلذّاتها المستخدعة , فإن ذلك كالغمام أو كأحلام أناس نيام .
اعلم يا ابن آدم أن فرحها موصول بغم , وشهدها مشوبٌ بسم . شرها واصِل وإثمها حاصل . لذتها قليلة وحسرتها طويلة , وفرحتها , وإن طالت , مستحيلة , واعلم أنها كالشبكة المنصوبة التي تلتف حول مَن يدخُل فيها فتصطاده , ويسلم منها مَن يعرِض عنها , فإياك أن تميل بقلبك اليها , او تُقبِلُ بوجهك عليها , فهي غدّارة مكارة , نعيمها مشوبٌ ببؤسٍ محموم وسعدُها مقرونٌ بنحسٍ معلوم , واعلم يا هذا أنها سريعة التَغَيُّر كثيرة التنكُّر , لا ترى فيها سرور إلا ويعقبهُ ثبور , وعدُها مخلوف وخسرانها مكشوف , شرها كثير كثير وإثمها خطير خطير , غَنيُّها فقير وطليقها اسير , لا يهدأ معها بال ولا تُبقي حال على حال . إنْ أضحكت أبكت وإنْ عانت خانت , حُبها مشوم وكلها هموم وغناها لا يدوم , فتُبّاً لمن يُدركها ويتأبطها ولا يتركها , فهي تَعِزُّ مَن أذلها وتُذِلُّ مَن أعزها . كم أفنت مِن الدهرِ قرون وأهلكت من الأبناء بنات وبنون , وتركت مِن الناس مخذول محزون , وخيَّبت منهم الظنون . طالما خانت أقران وقتلت لنا اخوان . أين ملوك الأرض , اين مَن ملكها طولاً وعرض ؟ وأين مَن أقام السُنّةِ والفرض , وأين مَن صان بها الأُمة والدين والعرض . أين مَن غرّتهم الدنيا فتناسوا الآخرة وأفنتهم الأيام بعد أن فعلوا ما فعلوا في العز وفي الهوان , فإن كان خيراً فخيرٌ لهم , وإن كان شراً فشرٌ عليهم , فتباً لِمَن لا يفتكر ويتفكرُ فيما مضى مِن القرون , ويعتبر بما صنعت بالناس يدُ المنون , ويعلم أنهُ فيها ممهول , غيرُ مُخلدٍ ولا مهمول .
رحم الله مَن نظر لنفسهِ فاعتبر , ومَهَّدَ لرمسهِ , قبل حلول القيامةِ , فظفر .
يا ابن آدم , هذه هي دُنيتك , فإن كانت لا زالت تروق لك بعد الذي جاء , فاقبل عليها بلهفةٍ دون عناء , وإن رَخُصت بعينك فَعِفها , ففي تركها الصفاء والنقاء والدواء والشفاء .
رياض م. حمزة – جولس
12-10-2014