القارئ لديوان "أصابع من ضوء" للشاعرة الفلسطينية منال النجوم والصادر هذا العام عن الاتحاد العام للاتحاد والكتاب الفلسطينيين، سيجد نفسه أمام شاعرة بحق وحقيقة، فتاة خُلقت شاعرة، وأعتقد أنها كتبت الشعر قبل أن تعرف الخليل بن احمد الفراهيدي وبحوره الشعرية، لذا فإن جملتها الشعرية تأتي دافقة بانسيابيّة لا تصنّع فيها، حاملة لغتها البليغة وصورها الجمالية ولحظة انفعالاتها وأحاسيسها، وتبوح بها بعفويّة بريئة.
ومن جماليات قصائد منال النجوم أنّها لا تصنّع فيها...بل هي انعكاس صادق لدواخلها، والرمزية فيها شفيفة لا تعقيد فيها، واللافت أنّ شاعرتنا تكتب قصائدها كامرأة تعرف حدودها تماما، وتكبح جماح كلماتها تماما مثلما تكبح عواطفها خضوعا للبيئة التي ولدت وترعرعت فيها، وللمجتمع الذكوريّ الذي لا يرحم المرأة، ومع أن شاعرتنا ببوحها تعرف ما للمرأة وما عليها إلا أنّها تعطي ما عليها وتكبت ما لها بين أضلاع صدرها، وإن باحت بقليل ممّا لها فانها لا تسايره حتى النهاية، بل تلمح إليه ثم تردعه. وهذا نتاج للحياة والتربية البدوية الصارمة التي عاشتها وتعيشها الشاعرة.
ولو أنّ شاعرتنا تعيش في مجتمع أكثر حضارة وانفتاحا، أيّ يحترم انسانيّة المرأة، ويعطيها الحرية في التعبير عن مكنونات نفسها؛ لأتحفتنا بقصائد غزلية سيتغنى بها الرّجال والنّساء، ولعلّمتهم كيف يكون الحبّ؟ وكيف تحبّ المرأة؟ مع التأكيد أنّ حبيب الأديبة والشاعرة قد لا يكون إنسانا من لحم ودم، وإنما هو محض خيال لما تريده المرأة في الرجل الحبيب، والعكس صحيح أيضا بالنسبة لحبيبة الأديب والشاعر.
وشاعرتنا تعرف ما هو الحبّ، وتعلم غرائز المرأة، وما المطلوب لاشباعها، فتحوم حولها، ترمي جملة شعرية هنا وأخرى هناك بهذا الخصوص، لكنها لا تلبث أن تتوقف عن مواصلة الطريق لكثرة "التابوهات" التي لا تقوى على اختراقها. ولنأخذ قصيدة " الموت حبّا" ص26 كمثال، حيث تقول:" نفر من أصابعي المطر....هطل من خدّي التّفاح...نضج على شفتي الكرز...تكوّر رمّان نهدي". وهذا الوصف المبهر هو دلالات نضوج الفتاة، وما يترتب على ذلك النّموّ الجسدي، فماذا حصل بعد هذا النضج؟ تقول:
" حين سمعت صوتك...تداعت جدران الصّدّ...ثار غبار الطّلْعِ...نما عشب الحبّ...تفتّحتُ كوردة...مشيت على رؤوس أصابعي...لئلا أزعج طيفك." ولنلاحظ فيما سبق جمال وصدق البوح، فبعد أن اكتملت الفتاة أنوثة، صارت تفكّر بالحبّ، وبمن يقطف ثمار هذه الأنوثة ويطفئ نارها، وعندما سنحت الفرصة "تداعت جدران الصّدّ" وغرقت في بحر الحبّ، ولنكتشف لاحقا أن كلّ ذلك مجرّد حلم وخيال، أيّ أنّ المرأة تفكر بنصفها الآخر لتكتمل الحياة. وبعد نضج الفتاة وتفكيرها بنصفها الآخر ماذا تفعل؟ والجواب:"
همستُ بأغنية حلوة...رقصت على إيقاع كأس...لم يعد قلبي الوليد للتوّ...يحتمل عصف حبّك الجارف...لم أعد أحتمل...فإذا متُّ فاعلم أنّني متّ حبّا" ص27. وهذا يعني أنّها تنتظر نصفها الآخر كي تكتمل حياتها، وإذا لم يحصل ذلك فإنّها ستموت في حبّ لم يتحقق.
والشواهد كثيرة في ديوان منال النجوم على قصائد الحبّ العذري، فتحية لها.
27-10-2014