لقد صادقت الحكومة هذا الأسبوع، وبأغلبية كبيرة، في جلسة سادها التوتر (كما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية) على مشروعي قانون أساس قُدِّمَا من قبل بعض أعضاء الكنيست من اليمين المتطرّف، الأول: من قبل زئيف الكين (الليكود-بيتينو)، والثاني: من قبل أييلت شاكيد (البيت اليهوديّ) ويريف ليفين وروبريط اليطوف (الليكود-بيتينو)، يؤكّدان ويرسّخان الطابع اليهوديّ- الإثني لإسرائيل: قانون "القومية" أو "الوطن القومي" الذي يهدف إلى تعريف إسرائيل كوطن قوميّ لليهود.
إن نص وصياغة الاقتراحين متشابهان إلى حد كبير، حيث يعرّفان إسرائيل بأنها "دولة يهوديّة ذات نظام حكم ديمقراطي" (أي يغلّبان اليهوديّة على الديمقراطية). ويحدّدان بأن "إسرائيل هي الوطن القومي لليهود فقط". و"لليهود فقط حق تقرير المصير في الدولة"، و "كل إنسان يهوديّ له الحق بالمواطنة في إسرائيل" وينص مشروع القانون على "أن العبرية هي اللغة الرسمية، واللغة العربية تحظى بمكانة خاصة "(ممّا يعني إلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية)، كما ينص مشروع القانون على "تشجيع البناء اليهوديّ في البلاد دون الالتزام بالبناء للعرب" وبنود أخرى ذات طابع قومجي، عنصري وإقصائي.
وقد قدّم رئيس الحكومة، ضمن مشروع قرار، قدّمه للحكومة، مقترحًا يشمل تعديلات على القانون، وحصل على تعهد من مقدمي مشروعي القانون بسحبهما بعد الإقرار بالقراءة الأولى واستبدالهما بأربعة عشر مبدأ كان قد طرحها. مقترح نتنياهو، الذي هو بنفس درجة السوء، يحدد بأن "إسرائيل هي دولة يهوديّة وديمقراطية تتأسس على مبادئ وثيقة الاستقلال". وأن "إسرائيل ستحافظ على الحقوق الفردية لكافة مواطنيها" (منعا لأي إمكانية بأن يطالب العرب بحقوق جماعية أو قومية لا بل يقيد الحقوق الفردية الممنوحة حاليًّا وبدلا من أن تكون حقوق فردية كاملة يجعلها محدودة ومقيدة بحسب القانون). وحتى الحقوق الجماعية في مجالات اللغة والثقافة التي عملت الجمعيات الحقوقية العربية والاهلية سنوات من أجل الحصول عليها (اللافتات ثنائية اللغة، ميزانيات لمؤسسات دينية الخ ... مما قضت المحكمة العليا بتنفيذها) يتم الغاؤها بحسب القانون ومنح الحقوق الجماعية لليهود فقط. مقترح نتنياهو لا يتطرق لموضوع اللغة أو البناء كما ورد في الصيغتين اللتين أقرتا اليوم.
من الجدير بالذكر بأن مشروع قانون "الوطن القومي" قدم للمرّة الأولى في الكنيست السابقة (18) من قبل عضو الكنيست آفي ديختر من حزب "كديما" وقد جمّد في حينها وأعيد تقديمه في الكنيست الحالية من قبل أعضاء الكنيست المذكورين أعلاه، كما تجدر الإشارة إلى أن الوزيرة تسيبي ليفني، بصفتها رئيسة للجنة الوزارية لشؤون التشريع رفضت طرح المشروعين في الاسبوع المنصرم، مما أدى إلى أزمة وزارية اليوم بإعادة تقديم المشروعين من قبل رئيس الحكومة، ومعارضة أعضاء الحكومة من حزب "يش عتيد" وامتناع الوزيرة تسيبي ليفني التي كانت على استعداد بتقبل صيغ معينة اقترحت من قبل نتنياهو عن التصويت.
زد على ذلك، بأن المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، كان قد انتقد بشدّة التصويت على مشروعي القانون وقال "بأنّ المشروعين الشخصيّين يثيران الكثير من المصاعب... وبالرغم من أنه لا يعارض تعريف إسرائيل كدولة للشعب اليهوديّ.. إلا أن التسويات العينية المقترحة من الممكن أن تحدث تغييرًا جوهريًّا بالمبادئ الأساسية للقانون الدستوري، كما تبلورت بروح "وثيقة الاستقلال" والقوانين الأساسية التي سنتها الكنيست، وانهما يضعفها الجانب الديمقراطي للدولة".
أن الواقع في إسرائيل قد كرّس وعلى مدار سنين طويلة "يهوديّة الدولة" من خلال الوثائق والقوانين والقرارات الحكومية والقضائية والمؤسسات الفاعلة، ولذلك الهدف من تمرير هذا القانون هو المس المباشر بالحقوق الجماعية والقومية للمجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل، والمس بحقوق اللاجئين في المستقبل، بل وتكريس الطابع التمييزي للدولة والذي لا يشمل أيًّا من قوانينها القيّمة والحقّ الأساسي بالمساواة. لا بل يأتي هذا القانون ليقطع الطريق ويبدد الاوهام بمساواة حقيقية من جانب، ويقيد حرية المحكمة العليا ويقلص من صلاحياتها من جانب آخر فيما يتعلق بتفسير وتأويل القانون بحيث تبقى القيمة المهيمنة والمقرّرة هي يهوديّة الدولة والتي تبقى بمكانة أعلى ومتفوقة على الديمقراطية.
إن ما يهدف رئيس الحكومة واليمين المتطرف إلى تحقيقه من خلال هذا القانون هو إرسال رسالة تهديد وتخويف للمجتمع الفلسطينيّ والاستمرار في عملية أقصائه وتهميشه وزرع شعور الاغتراب لديه. كما يسعى القانون إلى دغدغة المشاعر القومية اليهوديّة ومنحها وسائل قوة تمارسها على المجتمع العربي في الداخل بشكل خاص وعلى الشعب الفلسطينيّ قاطبة بشكل عام والذي لا ينفك رئيس الحكومة الحالي بمطالبتهم بالاعتراف بإسرائيل "كدولة يهوديّة" وهو واثق بأنهم لن يفعلوا ذلك وأنهم على وعي بأنه يؤسس "لسياسة الفشل" بل ويبنيه ليمنع أي أفق لتحقيق المساواة أو لتقديم العملية السياسية، بل يضع العصي في عجلات هذه العملية والتي نرى يوميا كيف يتفجر الوضع في القدس وغيرها نتيجة لهذه السياسة الاستعلائية.
إن هذا المشروع يسعى إلى تكريس حق مجموعة قومية واحدة من جانب والمسّ بالحق الجماعي للمجموعة الأصلانية الفلسطينيّة في البلاد، وبذلك تسير الحكومة نحو النمط والنموذج الجنوب أفريقي وتمنحه بعدًا دستوريًّا وليس بعدًا عمليًّا فقط. كما يبرز ذلك في الفجوات في شتى مجالات الحياة، لا بل الوضع آخذ بالتردي مما يهدّد الأمن والوجود الشخصي والجماعي.
إن الخلاف بين المؤيّدين والمعارضين في الحكومة اليوم هو ليس على الأمور الجوهرية، بل الخلاف هو حول الصياغة وشكلها والتوقيت. لذلك، لا يمكن التوقع من حزب "يش عتيد" الكثير، خاصة وأن بعض أعضائه مثل روت كلدرون كانوا قد قدموا مشاريع شبيهة في السابق وطالبوا المحكمة العليا بمنح مكانة أكبر لقيمة "يهوديّة الدولة".
يجب ألا نغفل بأن رئيس الحكومة يهرب من الواقع السياسي المتأزم والسيئ من جانب ومن الوضع الاجتماعي - الاقتصادي والذي يتجلى بالعنف والبطالة وغلاء المعيشة وضعف ورشات العمل الصغيرة والأزمة في الاقتصاد والتخوّف من إعلان اضراب عامّ للعمّال من جانب آخر، آملا أن تمنحه الشعارات القومية الهوياتية قوة انتخابية في مركز حزبه وعلى مستوى المجتمع اليهوديّ عمومًا.
سيتمّ يوم الأربعاء القادم التصويت على مشروع القانون بالقراءة التمهيدية في الكنيست، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حل الحكومة وتبكير موعد الانتخابات من ناحية، ومن ناحية أخرى، من الممكن الوصول إلى تسوية معينة بين أعضاء الحكومة حول صيغة مشتركة للقانون وهذا ممكن لأن الكثير من الأطراف السياسية غير معنيّة في المرحلة الحالية بخوض غمار انتخابات برلمانية رغم أن هنالك نفسًا انتخابيًّا في تصريحات رؤساء الأحزاب.
إن الحكومة الإسرائيلية وبدلا من أن تبادر للحدّ من العنف ومكافحة العنصرية الآخذين في الانتشار ضدّ المجتمع العربي سواء في الأماكن العامة أو أماكن العمل فإنها تحرض يوميًّا وبلغت أوج تحريضها في تقديم مشروع القانون هذا، والذي يرسل رسالة واضحة للمجتمع اليهوديّ بأنه هو الأفضل وهو صاحب الوطن.
المطلوب من المجتمع الفلسطينيّ في الداخل وممثليه التصدي ومعارضة هذا المشروع، من خلال كلّ المسارات والوسائل المتاحة: البرلمانية والشعبية والقانونية والإعلامية المحلية والدولية فهذا القانون يقف على رأس وفي قمة كلّ القوانين العنصرية التي سنت في السنوات الأخيرة.