بقلم نور عامر
كنت بغنى عن إثارة هذه القضية لولا تراكمات ألوكها يوميا ولا أبتلعها ، شعرا ونثرا في الصحافة والمواقع الإلكترونية محليا وإقليميا ، أقلام نسائية تكرس جهدها في الاحتجاج ضد الرجل الأناني الرجعي المتزمت ، يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها وقضاياها ، ويمنعها من تحقيق حريتها أو تحررها ، حتى صار الرجل هو " الإلهام " الضروري والمنكر الذي تستمد منه شعرها ونثرها ، مظلومة مستباحة مستلبة . لا سيما الأديبات ضيقات الأفق المجدبات ابتكارا وتجديدا ، لا يبرحن هذا المحور الذي يشكل غذاء دسما لكتابات تكرر نفسها بصيغ مختلفة لكن في نفس الهدف . ولولا ضيق المجال لقدمت مئات النماذج من هذا المدد الغزير ، والمحفز ربما لاحتجاج ذكوري أكثر زخما . لكنني أليّن المسألة كوني مع المرأة في قضاياها الملحة ووجوب تحررها ، بيد أنني ضد انتهازيتها ، وضد أن تعكس كتاباتها ـــ بمناسبة وبدون مناسبة ـــ الكليشهات الممجوجة " صرخة نساء في وجه الرجل " !! .
كضرورة لهذا السياق نعود الى قضيتها الأولى " السفور والحجاب " فرض في عهد النبي محمد ( ص) قبل أربعة عشر قرنا ، ولم تظلم في عهد الرسول الكريم امرأة ، لم تقل يوما أنها مظلومة بسبب الحجاب .
في الربع الأول من القرن الماضي أصبح الحجاب قضية القضايا ، فحين كان الشعب المصري يغلي ويتظاهر ضد الإحتلال الإنكليزي ويطالب بجلاء المحتل عن بلاده ، انتهزت المرأة هذه الظروف ، وبقيادة زعيمة النهضة النسوية هدى شعراوي نزلت الى الشارع تتحدى الرجل ، وتهتف ضد الحجاب ، خلعته وأحرقته . وانتصرت قضيتها ، فتصدرت الإعلام العربي والشعر العربي . هتف حافظ إبراهيم :
" خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهنه / فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهنه " .
هذا في الوقت الذي لم يشكل الحجاب حينذاك قضية ملحة بالقياس مع قضية الصراع مع الانكليز. كذلك لم يشكل قضية هامة في ذلك الوقت بالقياس مع قضية المرأة الأوروبية ، إذ قامت الحركة النسوية هناك بنضال له مصداقية عالمية ، طالبت بالمساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وساعات العمل نفسها ، بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر.
هل انتهت قضية المرأة العربية بالسفور والحجاب . أبدا ! إنها دائمة الشكوى والتذمر ، إنها ضحية في مجتمع ذكوري مستبد لا يرحم ! .
فالمكوث في البيت من أجل تربية أطفالها تعتبره ظلما وسجنا !! وهل هناك مهمة أسمى وأشرف من الأمومة وتنشئة الأجيال . " الجنة تحت أقدام الأمهات " .
وماذا يعني لو ارتدت المحتشم الجميل . هل الحرية بالموديلات الفاضحة والتبرج ؟ ! .
ومع ذلك سارت مع تيار الموضة والصرعات . ولا ضير في ذلك . وطالبت أن تنزل سوق العمل ، فنزلت تذهب وتعود حرة طليقة تتحدث بصراحة وحرية ، تناقش تجادل تختار شريك حياتها وموديل سيارتها ، وشكل صدرها لو رغبت نفخه بالسيلكون . فلا أحد يمنعها ، حتى زوجها أصبح يخشى معاندتها كي لا تستنجد بالشرطة ، أو تجمع عليه الأقارب والمعارف يلقنوه درسا في الإتيكيت وحسن التصرف ! .
ومع ذلك فإن قضاياها لا تنضب ، واحتجاجها ضد الرجل المتحجر أصبح روتينا أدمنته . وإذا لم يكن هناك قضية ، فهي تختلق قضية ! . إنها انتهازية تستغل كل فرصة كي تبرهن أنها مظلومة ، حتى مسائل فشلها في الحب والزواج أصبحت قضية ملحة في إطار حريتها المفقودة ! .
في الواقع أنها وصلت مرحلة ممتازة من التحرر المعنوي والإجتماعي . فماذا تريد بعد ؟ ! .
أستبعد أن تطالب يوما بتحررها من الأخلاق ، باعتبار أن لنا في الغرب عبرة ، تحرر من الأخلاق فكانت النتيجة تفكك الأسر ، والجريمة والقلق والمخدرات والأمراض النفسية والإنتحار والجنون . إنها مجتمعات آيلة الى الخراب .
ولئن نعزو افتراضا نهج المرأة العربية في موقفها من الرجل لرواسب اجتماعية من أيام الجاهلية ، حيث كانت المرأة مهضومة الحقوق مهانة ، فإن هذا الإجحاف من قبل الرجل لم يقتصر على المرأة العربية بالذات ، ومثلنا في ذلك المرأة عند الرومان لم يكن لها حق التملك لا في المال ولا في الزواج ، وعند اليهود كانت المرأة في مرتبة الخادم ، وكان الحق لأبيها في بيعها ، وكانت تحرم من الميراث .
فلماذا ظلت هذه الرواسب عالقة في ذهن المرأة العربية دون سائر الشعوب ؟ .
ربما هناك أسباب لا أفهمها . لكن ما أفهمه أن هذا الهجوم على الرجل ووصفه بالمتخلف والرجعي لا يخدم قضية المرأة بقدر ما يخدم سياسيا أعداء الأمة العربية ، وهذا حديث يطول شرحه .
في هذه المناسبة أنظر بارتياح الى بعض الأديبات ينظرن الى الموضوع نظرة مغايرة ورؤية مختلفة . الروائية اللبنانية هدى بركات تدافع في كتاباتها عن قضايا أقرب لأن تكون قضايا رجال . وهذا يتفق مع رؤية الكاتبة المصرية سكينة فؤاد : " الرجل لا يقل عن المرأة تعبا ومعاناة ، نتيجة أنه أعطي فهما خاطئا في موقفه من المرأة " .
كذلك الشاعرة السعودية د. ثريا العريّض : " الأنوثة عندي أن أقوم بدوري في الحياة بمشاركة الرجل ، وأن أشارك الرجل في صنع القرار " .
لشديد أسفنا أن مثل هذه الآراء النسائية النيّرة هي حالات استثنائية وقليلة جدا بالقياس مع الكم الهائل من المحيط الى الخليج ، أقلام نسائية نحترمها ، لكننا نطالبها ومن باب النوايا الحسنة ، أن تحرر الرجل من قضبان غضبها المفتعل، وأن تلتفت الى قضايا مصيرية هي أولى بالمعالجة والاهتمام.