كنت على موعد مع الأرض في يوم الأرض قبل سنوات قليلة، في الثلاثين من آذار. نويت بداية أن أشارك في المظاهرة القطرية في احدى بلدات مثلث يوم الأرض. نهضت صباحا وارتأيت أن أخصص ساعة أو ساعتين للعمل في الأرض، قبل التوجه للمظاهرة.
وفعلا توجهت للعمل في حديقة البيت.. أعتني بشجيرات زيتون ما زلن في طور النمو.. أنتقل الى شجرة ليمون أقلم أغصانها وأقلع الأعشاب من تحتها وحولها.. الى عزق جانب من أرض الحديقة، الى زاوية هناك أو ركن هنا.. مضى الوقت دون أن أشعر بذلك، وبدل الساعة عملت ساعات وأنا في غاية الهدوء وراحة البال.
ولما أيقنت أني لن أتمكن من المشاركة في المظاهرة نظرا لعملي المتواصل في الأرض. ساءلت نفسي عن أهمية وجدوى مشاركتي في المظاهرة، في محاولة لتبرير غيابي أمام نفسي. وتساءلت عن مدى الخسارة الفعلية في عدم التحاقي بالمظاهرة كما تعودت في سنوات سابقة. وأقنعت نفسي أن الفائدة العملية تكمن في مواصلة العمل بالأرض. هنا أطبق شعارات وأهداف يوم الأرض فعلا وليس كلاما. خاصة وأن هناك من يمكنه أن يسد مكاني في حضور المظاهرة، رغم أهمية وجود كل شخص وفرد. وهناك من بات يحمل عني هذا الهم في التواجد والمشاركة في المظاهرة، بعدما ربيناه على هذا التقليد. لكن لا أجد من يقوم مقامي في الاعتناء بالأرض والعمل فيها. هذا اضافة الى التعب الجسماني والارهاق مما جعلني أتخلف عن المشاركة في المظاهرة. لكنني شعرت بسعادة واكتفاء ورضى ذاتي.
وعندما بدأت تصلني الأخبار عما يجري في المظاهرة من انتهاك لقدسية يوم الأرض، شعرت بارتياح أكبر رغم أسفي على التدهور في عدم احترام ذكرى الأرض وشهدائها. وأيقنت أن تكرار الشعارات كل عام كالببغاوات، والتعصب لفئة ولون بدل التعصب للأرض، يحتاج الى تجديد في المفاهيم وانقلاب في الأساليب.. وأكثر ما يؤسفني أن أرى من يسير على أرض ليست له، يرفع شعارات لا علاقة له بها، يرتدي أزياء ليست من نسيج يديه، ويرتوي من مياه ليست من آبار أجداده، ويأكل من خبز ليس من عجين والدته.
كم يعز عليّ أن نتحول الى غرباء.. غرباء عن الأرض، وغرباء عن يوم الأرض.