من الأمور المطمْئنة في مجتمعنا الأدبي أن دولاب الحياة لا يكف عن إنجاب الأدباء ، كل يعطي بقدر ما يملك من موهبة ثقافة وتجربة . وإذ نرحب بالشاعرة الشابة نسرين حسين فراج ، من قرية الرامة في الجليل ، ذلك أنها اجتهدت في باكورة أعمالها ديوان بعنوان " على شرفة الذكرى " صدر في آذار 2014 .
ربما أن الميزة الأولى في هذا العمل هي إحساس القارئ بالارتياح لبعض ما جاء فيه ، وحين نشعر بالارتياح ازاء عمل ما فهذا يعني بالضرورة أن ما نطالعه يستحق الاهتمام او بعض الاهتمام وبنسب متفاوتة وفقا لاختلاف الأذواق ، فقد يعجبك التعبير التالي من قصيدتها " متاهة اشتياق " ، وقد ينظر اليه غيرك من زاوية أخرى ، إنما تبقى نقطة مركزية لا جدال فيها وهي ان هذا التعبير فيه جمالية واضحة مع حسن التفكير ، لذلك نحكم على هذه القصيدة بالجودة :
" عندما تشتاق / عانق حرفك / ابعث فيه روحك / غازل كلماتك / واهمس بوحها / وحدها اللغة لا تخذلك / عندما تشتاق / افترش قلبك / انثر على غشاوة النفس عطرك / قبل صدقك / وغازل فكرك / وحده الفكر لا يهجرك / عندما تشتاق / لملم شظايا حنينك / انفث فيها طهر نواياك / بدد لومك وعد الى ذاتك / وحدها الذات لا تمل انتظارك / عندما تشتاق / لا تعود انت كما انت / ابحث لك عن دليل / لا يدفعك الى هلاك روحك / وفكرك وذاتك / او تعلم .. كيف لا تشتاق / وته في سراديب العدم / لتصبح / في عداد اللا إنسان " .
ولا غرابة ان تلف هذا العمل سيرة الحب والغزل فهذا شأن الشعراء الشباب ، بل جميع البشر ينجذبون الى هذه الناحية بالفطرة التي فطر الله عليها الناس ، كل يطرح الموضوع على طريقته ، ومن خلال هذه الطريقة نتبّين الصدق من التكلف والتأليف من التقليد . ولنا وجهة نظر في قصيدة رقصة على ايقاع الحب :
" راقصيني / على ايقاع الحب / واغزلي / من ورق الشجر / فستان عشق اخضر / أتركيني / عاشقا / هائما / تائها / غارقا / في عسل عينيكِ / امتص رحيقهما / حتى آخر رمق / في العمر " .
لا تكلف فيها ولا تقليد ؛ لطيفة هذه " في عسل عينيكِ " أظنها غير مطروقة !
كنتُ أحبذ لو اختصرت نسرين فراج من الشعر المرسل الذي تنبذ منه القافية نبذا تاما ، فيكون ذلك على حساب الموسيقى والإيقاع ، ويكاد يكون هذا النوع من الشعر نثرا خالصا في بعض قوالبه كما سنرى في قصيدتها رحلة العودة من الحلم :
" الملم رذاذ شوقي / على تراب العشق / ابعثر آلام البعد / على صفحات الغدر / أرسل ألف علامة استفهام وعتاب / الى فضاء الهيام المزيف " .
أين نكهة الشعر ؟ !
قصيدتها " لقاء عند مفترق الزمان " من اربعين سطرا زاخرة بالمعاني والأحاسيس والذكريات ، لكن المشكلة في هذه القصيدة انها تتسم بطابع الوهم منذ السطر الرابع :
" على شاطئ النسيان / كان لنا لقاء / عطره الهيل في فنجان قهوة / احتسيناه على مائدة الأوهام " .
لذلك لا أستبعد أن يكف القارئ عن المتابعة ، وربما قال لن اتجشم قراءة الأوهام فيذهب وقتي سدّى !!
في تظهير الديوان كلمة موجزة تعبر فيها الشاعرة عن اعتزازها ببلدتها الرامة تعبيرا رائعا :
" من تراب الرامة / وعزة حيدر / رونق الجليل / وياسمين بلادي / أنسج هواجسي وشاحا / على صفحات الروح والذكرى / شمعة لا تخبو وزهرة لا ترحل "
قلّما قرأتُ لشاعرة من الشواعر إلا وهي تتهم الرجل ، سجانها وسبب متاعبها ! ويخيّل اليّ ان هذا الاتهام المباشر أصبح تقليداً ، أو بالأحرى واجباً عند الجنس اللطيف ؛ ومن لا تقوم بهذا الواجب ربما أحست أنها خارج السرب .. !
لنستمع الى نسرين في قصيدة متثاقلون على وهم الرجولة :
" انفضي عنك / غبار جهلهم / في خوفهم / هم يتغلغلون / فرضوا عليك ِ / ثقافة صمت / متثاقلين / على وهم الرجولة / صمتك حصارهم الموقوت / على أعتاب الحرية والحقيقة / حاصري من خلف الصمت / حصارهم / ففي ظلِ ظلهم / هم تائهون "
من دواعي حظنا ان بعض الشواعر والكاتبات ينظرنّ الى القضية بمنظار يختلف عن الماضي من منطلق أنه لم تعد حاجة للشِعار القديم " صرخة نساء في وجه الرجل " فالروائية اللبنانية هدى بركات تدافع في كتاباتها عن قضايا أقرب لأن تكون قضايا رجال ، وهذا يتفق مع رؤية الكاتبة المصرية سكينة فؤاد حين قالت : الرجل لا يقل عن المرأة تعباً ومعاناةً نتيجة أنه أعطيَ فهماً خاطئاً في موقفه من المرأة . ولولا انني بصدد نقد وليس بحثاً لسقتُ المزيد من المواقف النسائية الواعية تجاه الرجل ، مثل الشاعرة السعودية ثريا العريّض وغيرها من الأديبات .
ثمة كلمة أخيرة لا يسعني معها سوى التأكيد أن الكثير من قصائد نسرين حسين فراج ، تدل أنها شاعرة لها مستقبل طيب في ميدان الشعر . أتمنى لها التوفيق .