لو سالت عشرة دروز ما هي علاقة النبي شعيب - صلوات الله عليه- بالدروز؟، لسمعت منهم عشرة أجوبة مختلفة. أهي عدم معرفة وقلة وعي. او لبلبلة أنفسنا؟ أم بلبلة الغير.؟
 كيف نزور مقامه المقدس ونحتفل بزيارته وعيده، ولا نعرف الا القليل من سيرته وتعاليمه وعلاقته بالموحدين الدروز، او لا نريد ان نتحدث عنه إلا النزر اليسير.
سكوتنا عن الخوض في هذا الموضوع جعل البعض يصور وكان علاقة الدروز بالنبي شعيب هي علاقة جديدة وليدة ظروف سياسية. وان الاحتفال بزيارة مقام النبي شعيب بعيد وعطلة رسمية هي مؤامرة للفصل بين الدروز والعرب او المسلمين.
وقد أوردنا شهادة للرحالة الانكليزي السير لورانس اوليفنت من سنة 1885 التي يصف فيها مشهدا حضره احتفالا بالزيارة العمومية لمقام سيدنا شعيب. وذكرنا وثائق من زمن الانتداب تبين ان الدروز كانوا يحتفلون بالزيارة، مع أنها لم تكن عيدا رسميا، لأنه لم يكن قد اعترف بالدروز طائفة دينية مستقلة لها أعيادها ومناسباتها. وهذا ما حدث بعد 1957 بعد ان اعترفت إسرائيل بالدروز كطائفة مستقلة.
ان علاقة الدروز الموحدين بالنبي شعيب هي علاقة وراثة فكرية وقرابة عقائدية لا رباط دم وعصب.
في كل عصر وزمان كانت هناك فئة من البشر اهتمت بالروحانيات أكثر من الجسمانيات. واهتمت ببواطن الأمور ومغازيها العميقة ومفاهيمها البعيدة أكثر من المظاهر التي اهتم بها وعمل بها عامة الناس. اهتمت بالحقيقة التي وراء الشريعة والناموس
 هذه الفئة أطلق عليها جمهور العلماء والمؤرخين اسم العرفانيين.
يقول كمال جنبلاط: العرفان في كل دين وفلسفة منذ فجر التاريخ. منذ ادم واخنوخ وهرمس والفلاسفة اليونانيين – ع- وفلاسفة الإسلام وإخوان الصفا والصوفية والباطنية. هذه العرفانية هي اصل عقيدة التوحيد. وهؤلاء العرفانيون هم أسلاف عقيدة التوحيد التي ينتمي إليها الدروز. وسيدنا شعيب هو ابرز هؤلاء العرفانيين. وإتباعه هم العرفانيون في كل عصر وزمان.
هؤلاء العرفانيون هم الموحدون الذين امنوا برسالة ادم ونوح وإبراهيم وشعيب وموسى وعيسى ومحمد – ص- وحملوا هذه الرسالات بمفاهيمها العرفانية والباطنية، وتمسكوا بالدعوة الدرزية.
كل مجوعة كانت كبيرة او صغيرة، أمة او شعب او طائفة او جماعة هي بحاجة الى رموز وشعارات ومناسبات وأعياد تشترك فيها مع غيرها من الجماعات المحيطة بها والتي تعيش بينها داخل دولة او منطقة، ليتم العيش المشترك بين الناس ولتظهر وحدة بني البشر.
وفي نفس الوقت كل من هذه الجماعات بحاجة ماسة الى رموز وأعياد وشعارات ومناسبات منفردة خاصة تميزها عن غيرها لتحافظ على وجودها واستقلاليتها وتوحد بين إفرادها. ولولا هذه الميزات لاندثرت وضاعت. وهذا التنوع هو ثروة أعدها الله تعالى للبشرية.
وهكذا الدروز، لهم مناسبات مشتركة مع المسلمين مثل عيد الأضحى المبارك. ومع مواطني الدولة التي يعيشون فيها مثل عيد الاستقلال. وأعياد عالمية مثل عيد إلام.
ولهم أعياد خاصة أبرزها عيد النبي شعيب الذي أصبح علما ومميزا للطائفة الدرزية. فان قلت الدروز تذكرت الني شعيب ومقامه وزيارته. وان قلت مقام النبي شعيب تذكرت الدروز، خاصة في إسرائيل.
ولذا يجب العمل على ان يظل ويصبح عيد النبي شعيب ليس فقط عيدا دينيا مقصورا على فئة كريمة مهمة من الدروز، ولكنها أقلية، بل على جميع الدروز بما فيهم العلمانيون، ليكون مميزا ورابطا وجامعا وموحدا بين جميع الدروز.
ان هذه المهمة لا يمكن ان تقوم على يوم زيارة عمومية مهما اعد لها من خطابات وتهان وضيافة ومشهيات ومرطبات. لان معظم الزائرين والمشاركين في هذا اليوم هم من رجال الدين الكرام. وهم فئة من هذه الطائفة الجليلة فأين بقية الشعب؟ وما علاقته بهذا اليوم؟
 كما ان العطلة الرسمية بهذه المناسبة لا تفي بالغرض. لان اغلب غير المتدينين ينتهزون هذه العطلة للسفر والسياحة والنزهة التي لا علاقة لها بالمناسبة لا من قريب ولا من بعيد.
إذن المطلوب ان نجعل هذا اليوم حافلا بفعاليات دينية تثقيفية إرشادية قولا وعملا، كتابة وإذاعة وتصويرا، يتخلله لقاءات ومحاضرات حتى يصبح هذا العيد وهذا المقام ليس مكانا للأكل والشرب وشواء اللحم، بل منارة للعلم والثقافة ومدرسة لتهذيب الأخلاق وغرس القيم.
صحيح ان كثيرا من الدروز يزورون المقام طيلة أيام السنة ولكنها زيارة فحم ولحم وشحم لا زيارة علم وفهم.
إني لا أتجاهل ما يجري اليوم من تدريس للدين في المقام خلال العطل المدرسية، وما يقوم به المدارس من خلال تدريس موضوع التراث الدرزي من فعاليات منهجية وغير منهجية بهذا الخصوص، وما يقوم به طلاب المدارس من زيارات دورية للمقام بما فيها من وعظ ودرس. ومن مسيرات للشبيبة والكشاف والجنود. ولا أتجاهل النشرة التي أعدها الشيخ بروفيسور فاضل منصور برعاية المجلس الديني الدرزي عن سيرة النبي شعيب. ولا انسى ما يبثه التلفزيون والاذاعة وتكتبه الصحافة في هذا اليوم. ولكن هذا لا يكفي لأنه لا يطال جوهر المناسبة، وما زالت هناك قلة معرفة حقيقة، ولاننا لا نلمس في موسم العيد أية مظاهر للاحتفال به، لا في البيوت ولا في القرى ولا في الخلوات. لا خاصة ولا عامة، لا شعبية ولا دينية ولا رسمية.
انظر كم احتفال اقيم في القرى الدرزية ومدارسها، وبحق، بمناسية ذكرى شهداء الدولة، وكم احتفال اقيم في القرى نفسها ومدارسها بمناسبة عيد النبي شعيب.
فاليهودي والمسلم والمسيحي في مواسم الأعياد متدينا او غير متدين يزور بيوت العبادة او المقامات ويسمع رجال الدين يتحدثون عن المناسبة وان أهميتها وإثرها واستخلاص العبر منها.
في عيد الميلاد تسمع عن أهمية العيد والعبر المستخلصة منه، وعن سيرة سيدنا المسيح عليه السلام. وفي العيد النبوي الشريف تسمع الحكايات والعظات عن معنى العيد وعن سيرة النبي الكريم – ص-. وفي زيارة رابي شمعون بار يوحاي في جبل ميرون تذاع سيرة حيانه والعبر من الزيارة.
فأين يذهب الدرزي؟ وماذا يسمع؟
 اللهم اعد هذا العيد علينا وعلى العالم اجمع بالخير والبركات، وبالسلام والمحبة بين الناس، ببركة سيدنا شعيب علية الصلاة والسلام.
اللهم صل على سيدنا شعيب وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الأئمة والحجج والدعاة الهاديين. وارض اللهم على الأولياء والصالحين، واشملنا برضاك. وارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين، بشفاعة نبي الله شعيب، وبمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم وافتح عقول أولي الأمر منا، واهدهم الى خدمة الناس، لان خدمة الناس دين وصلاة.
وكل عام وعيد وزيارة انتم بخير