من الممكن تعريف العائلات والحمائل القاطنة على أعالي الكرمل والجليل بأسماء وألقاب مختلفة، فهنالك من يعرفهم بدروز 48، في حين يحاول المنحازون لدولة إسرائيل تعريفهم بدروز إسرائيل، أما النخبة الأخرى فتحاول أن تعطيهم صيغة أخرى بالتشديد على انتمائهم العربي وجذورهم الفلسطينية لتعرفهم كبني معروف. وحتى أنا ومن باب الاحترام لأصدقائي في الدول المجاورة كثيراً ما عرفتهم في مقالاتي بدروز الأراضي المقدسة مبتعداً بذلك عن أي تعريف ذي طابع سياسي. ولكننا وبدون أدنى شك يكمننا جميعاً أن نصيغها وبشكل واضح وبكل صراحة وبدون أي تنازلات بأننا نتحدث في الحقيقة وقبل كل شيء نتحدث عن "أسود الطائفة الدرزية".
هؤلاء الأسود يا حضرة القراء كثيراً ما سمعوا كلامًا غير مناسب، وتوبيخات من قبل قيادات سياسية من الدول المجاورة، وكثيراً ما تنازلوا حتى عن الرد على هذا الكلام احترامًا للموقف الحساس الذي يعيشه أبناء الطائفة في الدول المجاورة، في حين يعلم الجميع بأن الوجود الكياني لهذه القيادات وعدم خسفها في ظل الصراع المستمر في المنطقة يعود بالفضل الكبير للأسود الطائفة الدرزية وقيادتها في الماضي والحاضر (الي مش عاجبو يسكر ذنيه).
هذه الفئة يا سادتي تقف مرة تلو الأخرى إلى جانب أخوانها في الدول المجاورة، ولم تتخلَّ عنهم في أي موقف حرج، بداية من فترة الشيشكلي، ومروراً بحرب تشرين وقضية قرى الجولان (بهي المناسبة مساكين أهل الجولان مش فاضين يزعلو على السويداء بعدهن حاصرين على الأسد)، وآخرها الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، حيث قدمت كل ما لديها دون أي مقابل، وكل من كان على الأرض يعرف موقفها المشرف وشجاعتها على المستوى الفردي، وأنا أتحدى أي أنسان ينكر ذلك (الي مش عاجبو يقلب صفحة).
وهم نفس الأسود الذين، منذ اندلاع الأحداث الأخيرة في سوريا يقفون كبيراً وصغيراً، رجالا ونساء، مشايخ وجهال يتابعون الحدث ليلاً ونهاراً دون تاخي ودون ولا مبرارات. فهبَّ الجليل والكرمل بكل ما يملكون من عزيمة وقدرات من أجل مساندة أهلهم في السويداء، فمنهم من يجمع التبرعات، ومنهم من يرسل المؤن، ومنهم من خرج للحدود الشمالية، ومنه من يبعث رسائل إلى المندوبين والدبلومسين في البلاد يطالبون بها بحق أبناء السويداء بالعيش بكرامة على أرضهم دون أي أذى (إلي مش عاجبو هذا الموقف يرحل).
في حين اكتفت القيادات السياسية في الدول المجاورة، والتي لطالما هلّل لها "القومجيين" من بيننا لقدراتها السياسية والعسكرية، ليقتصر دعمها على مقابلات إعلامية وبيانات صحفية، جميعنا يعلم بأنها ليست بأكثر من جزء لمسرحيتهم السياسية المحلية، الّتي تذكرنا كثيراً ببيانات الجامعة العربية، والتي على مدار سبعة قرون استنكرت سياسة الحكومة الإسرائيلية للمرة المليون، حتى لم يبقَ من القضية سوى مقاطعة تمتد 200 متر تعرف بالسلطة الفلسطينية، وقصيدة قصيرة على قبر محمود درويش مكتوب عليها "على هذه الأرض ما يستحق الحياة " ( لو بيسمحوا لمواطن من الضفة الغربية يكتب ما يشاء كان كتب : طز في هيك حياة).
هذا الموقف من قبل أسود الطائفة الدرزية ليس بغريب، وبنظري يعود إلى حد كبير إلى قوة الانتماء الطائفي الذي يعيشه أبناء الطائفة الدرزية. وهنا علينا أن نفرق بين الانتماء الطائفي والعنصرية لأنهما يختلفان تمامًا. لأنة بالرغم من أصوات الببغاوات المنادية "لا للطائفية"، فهو طلب يعاكس الطبيعة ويطالب بتجريد أبناء مجموعة كاملة من المركّب الثقافي الذي يميزها، في حين ما يجب دحره هو العنصرية والتطرف الديني لما تحمله من عداء اتجاه أبناء ثقافات أخرى لمجرد انتمائهم ( شكر خاص لأبناء الطائفة المسيحية في الجليل وعلى رأسهم أبناء قرية حرفيش وفسوطة على دعمهم السخي للأهل السويداء).
الانتماء الطائفي القوي عند أسود الطائفة متأثر أيضاً بهوية الدولة، وكون الانتماء الديني مرجعية أساسية في تركيبة الدولة، وكونها دولة دينية وديمقراطية (يهودية وديمقراطية). الأمر الذي يعزز الانتماء الطائفي خاصة وان أي علاقة رسمية للأقليات مع الدولة تتم من خلال مؤسسات ذات صبغة طائفية. ناهيك بأن الدولة وموسساتها عملت سنوات عديدة على تقوية الهوية الطائفية عند أبناء الطائفة، وجعلتها الهوية الأساسية لانتمائهم.
خلاصة الحديث وبدون أي مزايدات على أحد ، وإنما بكل صدق حقيقة ما تشعر به الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة الدرزية في الجليل والكرمل ( غير الي بعانو من مرض الباركنسون من كثر ما بهزو ذيل لأحفاد هرتسيل ومقابلهن الي بهزو ذيل لأاحفاد أمين الحسيني). أهل الجليل والكرمل في موقفهم الأخير لا يشعرون بأنهم يقفون مع أقربائهم في السويداء، بل يقفون مع أنفسهم. والسويداء ليست بيوت أهلها بل هي بيوتهم أيضًا. وبالنسبة للأغلبية الساحقة من بينهم فالحديث عن حالة دفاع عن هويتهم وعلى بقائهم كمجموعة ثقافية ودينية تريد أن تعيش على أرضها بسلام وكرامة، دون أن تمس أحدًا، ولكن دون أن يمسها أحد أيضاً – ويا فوق الأرض بكرامة أو تحت ألأرض بكرامة.