بسم الله الرحمن الرحيم
عليه نتوكل وهو حسبنا وبه في كل الامور نستعين
اخواني ان الاوضاع العصيبة والمصيرية التي تمر بها الاكثرية من طائفتنا المعروفية في الاراضي السورية ورغما عن ارادتها تُحتّم علينا نزع الاختلافات الهامشية والسياسية فيما بيننا والتوحد حول القيادات الروحية في كل بلد والاخلاص لوطنهم الذي يعيشون فيه من اجل حفظ كرامة الطائفة والوطن لان كرامة الطائفة تكمن في قيادتها الدينية الحكيمة التي كانت وما زالت تحمل سر بقاء طائفتنا منذ خروجها الى النور في الالف العام الاخيرة وايضا تكمن في حفظ الوطن الذي يعيشون فيه لان لا كرامة لمواطن بدون وطن لان كلمة مواطن من وطن وعلى المواطن ان يكون مواطنا صالحا يضحي باثمن ما يملكه لاجل ذاك الوطن وهو الروح والمال والاهل والولد ولهذا بنو معروف سطروا تاريخهم المجيد في حفظ الاوطان وضُرب بهم المثل في وفائهم واخلاصهم للوطن الذي يعيشون فيه بغض النظر عن دين الحاكم والسلطان لانه كما قال قائد الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي " الدين لله والوطن للجميع" وهذا ادى الى حفظ الوطن وجلاء المستعمر.
لقد تميزت طائفتنا بتمسكها بسنن الله تعالى التي اودعها في كل الرسالات السماوية فكل رسالة حملت مضامين الهية مقدسة من تمسك بها نجا لان الله تعالى وعد عباده المخلصين المتمسكين برسالاته ورسله بالنجاة في الدنيا والاخرة والصيانة من كل من ينوي لهم سوء وما سبب المحن التي تعاني منه البشرية وقيام الامم والشعوب والفرق الدينية على بعضها الا بسبب مخالفة سنن الله وشرائعه واتباع الاهواء والاغراض الدنيوية باسم الدين والاعتراض على اوامر الله وعدم تقبلها بالرضى والتسليم ومن احدى هذه السنن ما جاء عن لسان يسوع المسيح في الانجيل الطاهر (متى 22: 15-22 لوقا 20:20-26 مرقس12: 13-17) "أعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ومن هنا جاء اعتقاد الدروز في خدمة الدولة التي يعيشون فيها والاخلاص لها لان قيصر هو السلطة والسلطان والسلطة والسلطان قدر من الله وعلى كل مؤمن بالله ان يخضع ويرضى بكل احكام الله وما يقدره من احكام على خلقه كما جاء في الانجيل من رسائل الرسول بولس الى كنيسة روما ( 13-7): " على كل انسان ان يخضع لأصحاب السلطة، فلا سلطة الا من عند الله، والسلطة القائمة هو الذي اقامها. فمتى قاوم السلطة قاوم تدبير الله، فاستحق العقاب. ولا يخاف الحكام من يعمل الخير، بل من يعمل الشر. أتريد ان لا تخاف السلطة؟ اعمل الخير تنل رضاها. فهي في خدمة الله لخيرك. ولكن خف اذا عملت الشر، لأن السلطة لا تحمل السيف باطلاً. فاذا عاقبت، فلانها في خدمة الله لتنزل غضبه على الذين يعملون الشر. لذلك لا بد من الخضوع للسلطة، لا خوفاً من غضب الله فقط، بل مراعاة للضمير ايضاً ولهذا انتم تدفعون الضرائب. فاصحاب السلطة يخدمون الله حين يواظبون على هذا العمل. فاعطوا كل واحد حقه: الضريبة لمن له الضريبة، و الجزية لمن له الجزية، والمهابة لمن له المهابة، والاكرام لمن له الاكرام"، فاحترام الدولة وقوانينها هو شرع الرب وعلى كل من يؤمن بالله وشرعه وقضاه ان يرضى ويسلم لاوامر الرب عندها يحصل على صيانة الرب وحصانته مهما ضاق الزمان وصعب فالمؤمن من ينظر الى كل ما يصيبه على انه عدل الهي جاري لا يمكن اعتراضه الا فيما يرضي الله ويصون الدين والارض والعرض وهذا هو معتقدنا في السلطة والدين.
واذا رجعنا الى قوله تعالى في القران : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم " فطائفتنا تمسكت بكل ما تحمله هذه الاية من معنى فرضوا اولا بقضاء الله وهي تعدد الشعوب وفهموا مراده تعالى من هذه التعددية وهي التعارف لا التناكر والتنازع والتخيير والعدل لا الجبر والقهر لقوله تعالى : " لا اكراه في الدين " وايضا : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين"، فالدروز علموا ان الله وضع حكمته في اسرار اياته التي لا يعلم اسرارها الا اولو الالباب الذين اخلصوا لله حق تقاته وعبادته وعملوا بكل اوامره بلا اعتراض بل باعتقاد سليم ورضى وتسليم كلي.
لقد اراد الله من عباده التقوى لان خيرات الدنيا والاخرة جُمعت فجُعلت تحت خصلة التقوى والله هو اللطيف الخبير ووعد المتقين بالنصرة والبشرى والصيانة والحراسة من الاعداء في الدنيا والاخرة بقوله تعالى : " وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا" وقال ايضا : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " لان التقوى اصلها في اللغة قلة الكلام ومنه الحديث التقي ملجم والمتقي هو الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله تعالى مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه والمتقي من اذا قال لله واذا عمل لله ولذلك قال تعالى : " يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم " لذلك طائفتنا المعروفية تتقي الله في عباده فلا تسيء اليهم ولا تتعدى عليهم بل تقدم المعروف دائما للبعيد والقريب والصديق والعدو طلبا في مرضاة الله وخوفا من غضبه باعتبار ان الخلق جميعهم عيال الله ومن تعدى على عيال الله فقد تعدى على اوامر الله ومن تعدى على اوامر الله فقد ظلم نفسه، ولهذا نالت الكرامة من الله حتى شهدت لهم كل الامم بالفضيلة والمعروف والاحترام والتبجيل وحسن الجوار والمعاملة واستغاثة الملهوف وحماية الجار والمستجير وقصص بني معروف في ذلك كثيرة.
لذلك كل الاديان جاءت من عند الله ودعت الى طاعة اوامر الله ووعدت بكرامة كل من يطيع الله ومن هنا كل من يخالف اوامر الله فسيحل به العذاب في الدنيا قبل الاخرة والله لا يضيع اجر المحسنين .
واخيرا اناشد ابناء طائفتي اينما وُجِدوا على التمسك بالقيم الدينية واتباع اوامر الله والالتفاف حول القيادات الروحية والعمل بمشورتها وحب الوطن والاخلاص له والدفاع عن امنه وعدم السماح بتمزيقه وتشتيته والعمل على وحدته بتقديم النوايا الحسنة وجمع الالفة ولم الشمل واعلاء شعار الباشا سلطان :" الدين لله والوطن للجميع" فلا دين لما لا وطن له ولا وطن لمن يمزق الوطن بالطائفية والافكار التكفيرية بل السلام الحقيقي باتباع كلمة الله وهو نشر التعارف بين الشعوب والقبائل والدعوة الى السلم والاستقرار ولا يسعني هنا الا الضراعة والابتهال للعلي القدير ان يلهم شعوب المنطقة والعالم الى ما هو خير للبشرية وتحقيق السلام ليهنيء بنو البشر بالسلام والاستقرار والهدوء والله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه الانسان والله من وراء القصد والسلام .