ينشط داخل الطائفة الدرزية في إسرائيل تياران مركزيان يلعبان دورًا محوريًا في الحياة السياسية الدرزية، التيار الأول يشمل القوى الوطنية الدرزية المناوئة لسياسة السلطة الإسرائيلية، أما التيار الثاني فيتشكل من قيادات تقليدية وشخصيات موالية للسلطة سأطلق عليهم تسمية الرجعية الدرزية.
التيار الوطني يعمل على تثبيت وتعزيز الهوية العربية الفلسطينية لدى الدروز في إسرائيل ويناهض الخدمة العسكرية المفروضة على الشباب الدروز، أما التيار الرجعي فيعمل على تنفيذ سياسية السلطة الرامية لسلخ الدروز عن انتمائهم الوطني والقومي ويؤيد التجنيد الإجباري ويشجع على الانخراط في صفوف الجيش الإسرائيلي.
لا شك أن التيار الرجعي هو صاحب الغلبة في الطائفة الدرزية وهو المسيطر على زمام الأمور سياسيًا واجتماعيًا، وذلك يعود إلى الدعم الكبير الذي يتلقاه من قبل المؤسسات الحكومية التي تستثمر موارد هائلة في إطار سعيها إلى تفريغ الدروز من وعيهم الوطني، وتجند في سبيل تحقيق هذا الهدف مجموعة من الشخصيات المنتفعة التي تقوم بتطبيق مشروع السلطة من خلال المواقع التي يتولون إدارتها كالمدارس والمراكز الثقافية والجمعيات وغيرها من المؤسسات.
في المقابل نلاحظ أن التيار الوطني لا يزال يراوح مكانه وغير قادر على توسيع رقعة قاعدته الشعبية، والسبب في ذلك هو ضعف الإمكانيات التي يمتلكها وعدم توفر الموارد المطلوبة من أجل تحقيق أهدافه، بالإضافة إلى ذلك يعاني هذا التيار من كثرة الانقسامات والانشقاقات في صفوفه والعداء المستفحل بين بعض قياداته، كل هذه العوامل جعلت منه تيارًا ضعيفًا غير قادر على طرح بديل حقيقي للوضع القائم في الطائفة الدرزية.
تكمن مشكلة القوى الوطنية الدرزية في عجزها عن خوض مواجهة حقيقية مع الرجعية الدرزية، ومن الملاحظ أن هذه القوى لا تقوم بدور جدي في مقارعة الرجعيين وعملاء السلطة ولا تتصدى لهم بشكل منهجي ومثابر، ويبرر البعض هذا السلوك بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي وعدم إشعال نار الفتنة في صفوف الطائفة، ويدعون أنهم يفعلون ذلك من منطلق المسؤولية الوطنية وحرصهم على وحدة الصف.
أعتقد أن هذا المنطق الانهزامي يعبر عن حالة خضوع مسبق للنهج القمعي الذي تتبناه وتمارسه القوى الرجعية في حق من يتجرأ على مواجهتها وفضح مخططاتها وألاعيبها الدنيئة، وهذا يدل على أن القوى الوطنية تخاف من سطوة عملاء السلطة وغير قادرة على الوقوف لهم بالمرصاد، لذلك نرى أن نشاط هذه القوى يقتصر على إصدار البيانات والتقاط الصور وإظهار "الصوت الوطني" لدى الطائفة الدرزية، بينما لا يوجد لها نشاط فعلي على أرض الواقع ولا تملك مشروعًا لإحداث تغيير سياسي واجتماعي جذري.
ولقد خضت شخصيًا تجربة مثيرة في هذا السياق، حيث أخذت على عاتقي في إطار عملي الصحفي مهمة مواجهة إحدى القوى الرجعية المعروفة بتاريخها الحافل بالعمالة على المستويين المحلي والقطري، ولقد دفعت ثمن موقفي هذا من خلال اعتداء جسدي سافل ودعوى قذف وتشهير بقيمة 100 ألف شيكل على خلفية نشري لاسمي الشخصين اللذين قاما بالاعتداء علي، وفي هذه المرحلة أخوض معركة قضائية من أجل إظهار الحق وإزهاق الباطل سيكون النصر فيها حليفي إن شاء الله.
ويبدو أن ما يقود القوى الوطنية إلى الانكفاء على ذاتها وعدم مقارعة الرجعيين هو عدم استعداد قياداتها لدفع هذا الثمن، ومن هذا المنطلق يقومون بمسايرة القوى الرجعية خوفًا من بطشها وحرصًا على أمنهم الشخصي، ومن المؤسف أن نرى قيادات تعتبر نفسها وطنية ترتبط بعلاقات صداقة وثيقة مع شخصيات معروفة بعمالتها وموالاتها للسلطة، وهذا الأمر يلقي بظلال من الشك حول مصداقية هذه القيادات وحقيقة الدور الذي تلعبه.
أسوق هذا الكلام من منطلق حرصي على طهارة العمل الوطني في صفوف الطائفة الدرزية، ورغبة مني في الحفاظ على البيت الوطني نقيًا من براثن الرجعيين والعملاء، فلا يعقل أن تكون وطنيًا حقيقيًا مقاومًا لسياسة السلطة بدون أن تتسلح بموقف شجاع وجريء مواجه لأذناب السلطة الذين يعملون على تحطيم الجيل الصاعد وتدمير بنية مجتمعنا من الداخل.