بقلم: زياد شليوط
استمعت قبل أسابيع قليلة إلى برنامج اذاعي في الإذاعة المتألقة دوما "راديو مونت كارلو"، طرح فيه للنقاش موضوع على غاية في الأهمية، ألا وهو فرض حكم الإعدام على مغتصبي النساء والفتيات في مصر، وذلك في أعقاب الاقتراح الذي تقدم به أحد أعضاء مجلس الشعب المصري والمحسوب على حركة "الإخوان المسلمين"، واستضافت مقدمة البرنامج عضو مجلس الشعب المذكور إلى جانب محاضرين ومحاضرات جامعيين في الموضوع، وبالطبع كانت الآراء مختلفة ومتعارضة في هذا الموضوع الحساس، فرغم اتفاق الجميع على بشاعة جريمة الاغتصاب وانتشارها في الشارع المصري، إلا أن أنهم اختلفوا حول الأسلوب الأنجع لمعالجة مرتكبي هذه المخالفة.
ذاك النقاش شدني وأعادني إلى مسلسل " قضية رأي عام" الذي لعبت بطولته الفنانة القديرة يسرا، وعرض قبل عامين خلال شهر رمضان الفضيل، وشاهدته بعد انتهاء الشهر الكريم نظرا لكثرة المسلسلات المعروضة خلال شهر رمضان، في الفضائيات العديدة والمتكاثرة، وفي ظل الانجراف الكاسح نحو مسلسل "باب الحارة" الذي خطف الأنظار والألباب عن غيره من المسلسلات العربية، ولأن الانترنيت بات يزاحم التلفزيون فقد تسنى لي مشاهدة حلقات المسلسل على أحد مواقع الانترنيت "ملطوشا" عن شاشة دبي، والمريح في الأمر أنك تشاهد أحداث المسلسل بدون دعايات تجارية، رغم عدم وضوح الشاشة كالتلفاز.
ومسلسل "قضية رأي عام" يحكي قصة ثلاث سيدات مصريات مثقفات، طبيبتين وممرضة يعملن في مستشفى، فيتأخرن في إحدى الليالي في عملهن، حيث يعترض طريقهن ثلاثة شبان مدمنين ومستهترين، أحدهم ابن وزير ذي شأن في مصر، فيقوم الشبان باختطاف النساء إلى فيلا تتبع الوزير وينفذون فعلة الاغتصاب بالضحايا الثلاث.
من هنا تبدأ أحداث المسلسل، في ملاحقة الجناة في مجتمع يعتبر الضحية مذنبة في هذه الحالة كما ينظر إلى الضحية كفضيحة وتتحول إلى متهمة ومسؤولة عما لحق بها من اعتداء خسيس وحقير، خاصة في ظل رجال سياسة ذوي نفوذ كبير يعكسون حالة النظام السياسي الفاسد السائد. الضحايا الثلاث هن، الطبيبة عبلة (يسرا) وزميلتها أيضا طبيبة وتدعى حنان والممرضة سميحة. عبلة متزوجة من طبيب ولها ابن وابنة، حنان مخطوبة لابن عمها وعلى وشك الزواج، وسميحة متزوجة وحامل بمولودها الأول.
عبلة هي الشخصية المحورية والعنيدة والجريئة، تقرر تقديم شكوى في الشرطة حول حادث الاغتصاب مهما كلفها الأمر وخاصة الانفصال عن زوجها والابتعاد عن أولادها، والنشر عنها في الصحف وخطر خسارتها لعملها ومركزها أيضا في الجامعة. أما حنان فتخشى من تقديم شكوى خوفا من "الفضيحة" ورفض أهلها للفكرة حيث يتوفى والدها من تأثير الحادث، وعزم أخوها ابراهيم على قتل الجناة بيديه، ورغم ذلك المأزق يبقى ابن عمها على تمسكه بها. سميحة تدخل في غيبوبة، زوجها خارج البلاد وترافقها شقيقتها التي ترفض أيضا تقديم شكوى وتماطل حتى يحضر زوجها، وبعد فترة تتوفى سميحة. الطبيبة عبلة تخوض المعركة وحيدة في البداية، مع دعم ضابط النيابة (سامي العدل) لها وايمانه بعدالة قضيتها، وبعد رحلة طويلة من المعاناة، تتحول قضية عبلة وزميلاتها إلى "قضية رأي عام" ومن هنا تسمية المسلسل.
خلال هذه الرحلة يحاول الوزير المدعو شكري جلال، حماية ابنه الوحيد والدفاع عنه بكل السبل المشروعة وغير المشروعة، فيحاول استغلال نفوذه في الحكومة والاعلام، لكن ذلك لا يجديه نفعا، وبعدما كان يستعد لترشيحه لمنصب رئاسة الوزارة من قبل حزبه، تسوء أحواله في داخل الحزب الذي يتخلى عنه، فتتحطم آماله في استلام رئاسة الوزراء. ويستعين بأكبر محام في مصر ومحاضر في الجامعة، د.مرسي (سمير صبري) وهو مراوغ كبير، يحاول بأحابيله تبرئة الجناة رغم يقينه أنهم مذنبون ويستحقون العقاب. وتواصل الدكتورة عبلة حربها وتبدأ باستمالة المسؤولين في الاعلام والحكومة إلى جانبها، ويعود زوجها لها، وفي النهاية تكسب المعركة بعد انضمام الدكتورة حنان وأهلها لها وزوج المرحومة سميحة، ويصدر قرار الإعدام بحق الجناة.
لا شك بأن قصة مسلسل "قضية رأي عام"، تعتبر قصة جديدة في عالم المسلسلات العربية بجرأتها في تناول قضية حساسة، باتت تثير المجتمع العربي عامة والمصري خاصة، في ظل السكوت عنها وعدم التصدي لها بالقوة الواجبة، إضافة إلى اعتبار الضحية هي المسؤولة والمذنبة وليس الجاني الحقيقي، لهذا يطمح المسلسل إلى تحويلها إلى قضية رأي عام على عكس ما حاصل في الواقع. وما يسيء إلى المسلسل هي الإطالة فيه، وذلك يعود لمتطلبات تجارية وزمنية، حيث يجب ألا تقل الحلقات عن ثلاثين مع أنه يمكن انهاء المسلسل بنصف عدد الحلقات، فهناك المقابلات المتكررة بين الدكتورة عبلة وضابط التحقيق على سبيل المثال.
لكن إذا عدنا إلى اشكالية العقوبة التي يستحقها الجاني، فانك عندما تشاهد المسلسل وبشاعة الجريمة التي يقدم عليها المستهترون، تميل إلى فرض حكم الإعدام عليهم، وعندما تستمع للحجج المنطقية فانك تتراجع عن تأييد فرض حكم الاعدام، فكيف نخرج من هذه الإشكالية، وما هو العقاب المناسب لمثل أولئك الجناة؟ هذا سؤال سيبقى متداولا بين الخبراء في القانون وعلم الاجتماع والسلوكيات وغيرها، وعلى مختلف المستويات الى أن يتم التوصل إلى قرار يرضي مختلف الأطراف.