بسم الله الرحمن الرحيم
وكعادتها, في اليوم العاشر من أيلول في كل عام, تلتقي جموع الطائفة الدرزية من كافة القرى، في باحة مقام سيدنا سبلان عليه السلام في حرفيش، بغية القيام بالواجبات والشعائر الدينية إحياءً لذكرى هذا النبي الكريم, حيث يتوجه المشايخ إلى المقام الشريف مُزوَّدين بالتقوى والإيمان، وهذه الزيارة، كباقي الزيارات للأماكن المقدسة، تقرّب الإنسان من مقدساته، وتحتوي على رسالة دينية تثقيفية تربوية للأجيال الصاعدة، تدعوها إلى التمسّك بالتراث والتقاليد والعادات، والحفاظ على المقدسات والأماكن الدينية، ولتهذيب النفوس، والسعي إلى عمل الخير والقيام بهِ.
وفي هذه الزيارة المباركة الحزينة نبعث بتعازينا الحارة ومشاعرنا الدينية الخالصة لكافة مشايخنا وأهلنا الاعزاء وإخواننا في جبل العرب الأشم, جبل الدروز, أهل التوحيد وبناةِ سوريا، باستشهاد المغفور له والمأسوف عليه، المرحوم الشيخ المقدام الغيور, أبي فهد وحيد البلعوس ورفاقه البررة الأخيار، والعشرات من المشايخ والنساء والاطفال الابرياء من أبناء الجبل، في عملية ارهابية جبانة. حيث كان وقع الخبر علينا كالصاعقة، فأبكى العيون وأدمى القلوب.
وأقول فيكم أيها الشهداء البواسل قول الشاعر:
لا تبكهِ اليومُ بدءُ حياته
انّ الشهيد يَعشْ يومَ مماتِهِ
الأخوة الأعزاء, إن عملية الغدر المُدانةَ, ليست هي عملية موجّهة ضد المغدور بهم فحسب، بل إنّها عملية سافلة صاغرة المقصود منها زرع أسافين الشقاق والخلاف بين الأخوة أبناء أهل التوحيد عامة في الجبل الأشم, وتشتيت شملهم وتفريق جمعهم وهدم وحدة صفهم. فلقد قصد فاعل هذه الجريمة النكراء زرع بذور التفرقة في ابناء بني معروف الأغيار، وتحريض بعضهم على ببعضِ من خلال مواده الابليسية السامة، وأعوانه المفسدين المستأجرين، وزج اخواننا وأبنائنا تبعاً لأغراضه الرخيصة في خِضم المعركةِ التي تدورُ رُحاها على ارض الشام الأبية، أرض سلطان باشا الأطرش, والسادة المشايخ الأتقياء اصحاب السِيَر المجيدة الحميدة التي رفعت اسم الطائفة وشأنها عَمَدَ السماء.
ما من شك أنهُ في كل لقاء، تزداد أواصر الألفة والمحبة بين المجتمعين، ويتمّ الاتصال المباشر بين جميع أبناء الطائفة، حيث يتم اللقاء والتباحث والتداول في أمور مشتركة، وفي قضايا عالِقة، لها أهمية بالنسبة للجميع، إضافة الى إقامة الشعائر الدينية والطقوس المُتعلقة بالزيارة, وخاصة في هذه الأيام والظروف التي تمرّ بها الطائفة الدرزية خارج حدود بلادنا، وما تواجه من أخطارا مصيرية، ومواجهات شديدة، تتطلب منا أن نكون مهيئين لأي دعم أو سند يمكننا تقديمه، إن الحرب الأهلية التي يمرّ فيها المواطنون عامة في الجمهورية السورية، والأوضاع غير المستقرة، تجعلنا دائما في ترقّب، وفي تأهّب، لنرى ماذا سيحدث وكيف ستسير الأمور.
ومن هنا، ومن مقام سيدنا سبلان عليه السلام في حرفيش، هذه القرية التي كانت وما زالت، أقرب القرى الدرزية في البلاد إلى التجمع الدرزي في سوريا، والتجمع الدرزي في لبنان، والتي كانت خلال مئات السنين، تتم عن طريقها، كافة الاتصالات بين دروز الكرمل والجليل، والدروز هناك. من هنا، وفي عيد سيدنا سبلان (ع) نضرع إلى حضرة العلي القدير، أن تهدأ الأمور وتستقرّ، وأن تعود المياه إلى مجاريها، وأن تتوفر الحلول للأزمات هناك بالشكل الذي يرضي جميع الأطراف والطوائف، ويحافظ على سلامتهم وكرامتهم.
ونقول لأهلنا واخواننا في الجبل الأشم، أليست وصية نبيينا الكريم (ص) أن نتآلفَ ونتصافى في الدين، وأن نكون يدا واحدة على المنافقين، ولا يكون ذلك الا بطرح الضغائن والأحقاد، وان نطيع وننقاد لأوامر مشايخنا الأتقياء، وأن نكون يدا واحدة وقلبا واحدا على أهل الغي والعناد، وأن نتصافى بنقاء السرائر وصفو الوداد، وخاصة في هذه الظروف الحالكة التي تمُر بها سوريا, ويمر بها جبلنا الأشم. وليس لنا خلاص سوى أن نلتف حول بعضنا البعض, وأن نجمع شمل وكلمة الطائفة, على اختلاف اطيافها واطرافها, لمجابهة الأخطار المحيطة بنا, في الجبل وخارجه, وعلينا أن نتمسك بقول الحق تعالى: " إن المؤمنونَ إخوةٌ فأصلحوا بين أخَوَيْكُمُ واتقوا الله لعلكُم تُرحمون". فالشيطان ايها الأخوة, هَمُّهُ الأكبر, بعد الكفر بالله ورُسُلِهِ, أن يُفرِّقَ بين المؤمنين. وها هو في سوريا اليوم, لعب ويلعب دورهُ ببراعةٍ مُنقَطِعَةِ النظير, وها هو قد وصلت سمومه الزاعقة الى جبلنا الأشم, فدعونا لا ندع لهُ فُرصةً مواتيةً للتفريق بيننا. وخاصة بعد أن أوقع قتلى وجرحي بين ابناء البيت الواحد ! إنها الفتنةُ أيها الأخوة, وأعوذ بالله مِن الفتنةِ, فهي تحرقُ الدين والعقل والجسد, وتحرقُ كُلَ شيء فيه من الخير, كثيره وقليله, فاحذروها ابناءَ التوحيد, فالفتنةُ اذا اتت فإنها لا تُصيبُ جماعةً ما, بل تَعُم البلاد وتأتي على كل ما فيها, فأعملوا يداً واحدة على رد كيد المفسدين والقائه في نحورهم, وعلى إفشال خططهم الهادفة الى تدمير ابناء التوحيد, فهم, وبعد عجزهم أن يصلوا الى تفريق وحدتنا بقواهم الشخصية, راحوا يحاولون تأجيج نار الفتنة, وزرع بذور الخلاف والشقاق بين الأخوة ابناء الجبل الأُباة الصناديد. فلنفوت الفرصة عليهم ولنزيد من التعاضد والوحدة في هذه الايام الصعبة ولنلتفّ حول وحدة الكلمة والمصير وأن نجمع شمل وكلمة الطائفة لمجابهة الأخطار المحيطة بنا, في الجبل وخارجه.
أغلقوا الأبواب أيها النشامى في وجوه المندسين, وكونوا كالبنيان المرصوص يشدُ بعضهُ بعضا, عودوا الى حبل الله سبحانهِ, وتشبثوا بهِ, فما غيرُ الله لنا ولكُم مِن نصير.
ندعوكم اهلنا إلى الالتفاف حول بعضكم البعض وحول مشايخ الجبل لتخطي الفاجعة الأليمة. ونتوجه الى مشايخ العقل ونطالبهم بالوحدة لرأب الصدع ونذكرهم بوجوب العمل بقولهِ تعالى: " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ". كما وندعو أبناء الطائفة وقياداتها في لبنان والاردن وفي بلادنا الى توحيد الكلمة ازاء ما يحدث في الجبل والسعي لوحدة الصف، كل من مكانه في مواجهة الخطر الذي بدأ يتلمّس طريقه بيننا، لنكون معا وبجهودٍ موحدةٍ ومنسقة، سدّا قويا في وجه تمدده أو انتشاره، فاليوم لن تغني أي فصيل درزي انتصارات السياسة إذا ما كان ثمنها أرواح أهلنا، ولن تصنع لأي شخصية درزية الأمجاد إذا ما كان السبيل إليها غارقٌ بالدماء الطاهرة البريئة. بعيدين عن الأغراض الدنيوية والمصالح الذاتية التي تؤجج نار الفتنة وتضر ولا تنفع.
اللهم نسألك الرحمة من لدنك للشهداء الأبرار. والشفاء العاجل للأخوة المُصابين, والأمان والأمن والهدوء والسكينة لأهل الجبل ولسوريا ولجميع ابناء التوحيد في كل مكان.
وفي هذه المناسبة، أتوجّه إلى أبناء الطائفة الدرزية في البلاد، وخاصة إلى الأجيال الصاعدة، حاثًّا إياهم على سلوك طريق العلم والدراسة والتحصيل الأكاديمي، والإخلاص في كل عمل يقومون به من اجل الوصول الى أعلى المراتب والدرجات في أي مكان يتواجدون فيه. وفي نفس الوقت، أتوجّه إليهم جميعا، للمحافظة على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، والقيم الأخلاقية والاجتماعية التي ورثناها عن آبائنا وجدودنا، والتي حافظت علينا، كطائفة لها تراثها وفضائلها وكيانها.
وفي هذه المناسبة الطيبة, أحيي جميع أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان، وأتمنى للزوار زيارة مقبولة، والتوفيق والنجاح في كل عمل ومسعى يقومون به يرضي الله, وكل عام والجميع بإلف بخير.