بقلم : زهر الدين محمد سعد - المغار
قبل الانتخابات المحلية في المغار، سمعنا العديد من القضايا التي تهم المواطنين ،وتنافس الجميع من اجل إيجاد الحلول للقضايا المطروحة ،لو عدنا إلى البرامج الانتخابية لجميع القوائم والمرشحين لوجدنا أحلام تحتاج إلى من يحققها ،وقد تنافس الجميع بالبرامج وطرح الرؤيا والأهداف ،وقد شعر المواطن إننا إمام معركة انتخابات جديدة يتنافس فيها الأفضل ،وقد تنافس الجميع على أصوات المواطنين وكان المرشحون يجيبون على أي تساؤل يسأله أي مواطن بسيط ويعلقون على أي قضية يثيرها أي مواطن ،كان الجواب لكل سؤال ولكل قضية تطرح ،والجميل إن الأجوبة دائما كانت تبدأ بكلمات يا أخي أختي المعقب المحترم المواطن الغيور صديقي ابن بلدي وغيرها من اللغة الحضارية.
انتهت الانتخابات وانتهت معها الأحلام، وتبخرت الوعود لنجد أنفسنا أمام الواقع المرير:ما نراه من هنا (كما قال احدهم)لا نراه من هناك،بالإمكان الكتابة عن المغار الجميلة وكما أجابني احد المعقبين الكرام :"يكفي يا زهر أن تتخيل المجاري في الشارع الرئيسي نهر السين ".ويكفي إن ترى باب الحارة الشانزاليزية.حقا انه صادق والأحلام الجميلة تبقى أحلام ولن تغير الواقع المر وستبقى حبرا على ورق، وخاصة ونحن شعب امتهن لغة النقد والتحريض، وتحجيم النجاح ،وبث الإحباط في النفوس،نحن شعب بات يشكك في كل مبادرة جميلة ،في كل موهبة صاعدة ،نستطيع أن نجد ألف عيبا في أي عمل ،ونستصعب إيجاد كلمة طيبة تبث الأمل وتدعم ،نستمع لأطفال موهوبين من المرحلة الابتدائية فنهمس ليس بعد فريد الأطرش انه ملك العود.نسمع طفلة موهوبة فيجيب احدهم صوت فيروز أجمل ،نسمع عن أطفال يسافرون لتركيا لمقابلة رواد فضاء فنقول من يعتقدون أنفسهم وأين سيصلون؟نسمع عن حملة تنزيلات على الملابس فينبري احدهم ليصرخ كرميئيل ارخص،يجيبه آخر بل يركا ،الثالث يقسم إن برطعة عاصمة الدنيا والمنطقة الحرة للعالم وتقاطع الحضارات ،وملتقى الأديان ومهدها ،بل الأمريكان والصينيون يشترون احتياجاتهم من برطعة.
كيف يمكن النهوض ببلد يعتز أغلبية سكانه ويتفاخرون بجيرانه؟ويقومون بذمه ومهاجمته؟وكيف يستطيع البلد إعادة اعتباره عن طريق إثبات أفضليته على جيرانه عن طريق تقديم الأفضل لأهله؟
في الحقيقة هي مجرد أسئلة تنتابني منذ فترة ،اشعر بالمرارة لوضع قريتي من جميع النواحي ،الاجتماعية والاقتصادية ،والثقافية.
عندما نزور القرى والمدن المجاورة، تلاحظ حركة تجارية وسياحية ،نشاهد المصالح الكبيرة والصغيرة على امتداد الشارع الرئيسي ،وحركة بيع وشراء نشطة ،عشرات بل مئات المصالح منها القديمة ومنها الجديدة ومنها في طور البدء ومنها من يتطور ،بتنا نسمع عن ملاعب عصرية وعن مراكز تجارية كبيرة وعن شبكات عالمية تفتح في مناطق الجوار وعن مصالح كبيرة وصغيرة تقفل في المغار،ما السر؟ولم فقد معظمنا الثقة بالمغار؟
المغار لا تتحدث عن الثقافة عندما ينشغل مجلسها بخطط اشفاء وكيفية إيجاد حل لمشكلة شركة المياه" مكوروت "وتسديد أثمان المياه وإعطاء الموظفين حقوقهم النقابية،المجلس المحلي يبحث في كيفية حث المواطنين على تسديد ديونهم ،ليستطيع تسديد أثمان المياه ،أصبح حلم كل رئيس سلطة محلية إن ينهي فترته ،بدون أن تقطع المياه ،ومفضل وليس إجباريا إن يتلقى العمال أجرتهم كل أول الشهر،كيف يمكن لرئيس سلطة محلية إن ينجح في قرية فقيرة لا موارد لها؟ومن أين ستكون الموارد ومعظم سكان القرية يعيشون تحت خط الفقر والمصالح التجارية فقيرة ؟وربما جميع مصالح المغار تساوي من ناحية المدخولات مصلحة واحدة في قرية جارة ،من أين ستنتعش المصالح في المغار والجميع يدعم ويشتري من خارج المغار؟وكيف سيعيد أصحاب المصالح التجارية في المغار الزبائن ليدعموا مصالحهم؟انه سؤال للجميع،وكيف سيستطيع المواطن محدود الدخل التوفير من خلال تعامله مع أهل بلده؟
إنها سلسلة تبدأ بالمواطن البسيط الذي يناضل من اجل العيش ،وبحاجة لكل شاقل من اجل إنهاء الشهر دون إن يحتاج لأحد لتكتمل بصاحب المصلحة الصغيرة الذي يناضل من اجل ألا تخسر مصلحته ،ثم المصالح الكبيرة التي تتنافس مع مصالح خارج القرية،هذه السلسلة ترتبط بجميع احتياجاتنا ،إذا عمل الجميع وانتهت البطالة تصبح لدينا سيولة نقدية للشراء،وعندما نشتري ندعم أصحاب المصالح وعندما يربح أصحاب المصالح يستطيعوا أن يطورا مصالحهم لتصبح كبيرة ،وعندما تصبح كبيرة تستطيع منافسة المصالح خارج القرية فنلاحظ حركة تجارية من خارج القرية إلى القرية ويستفيد كل مواطن من المدخول وتزدهر القرية وينتعش الوضع الاقتصادي لترافقه حركة سياحية ،عندها سيستطيع المواطن تسديد ضرائبه براحة والسلطة المحلية تنتعش أيضا ويزداد مخولها فتعيد ما جبته من أموال من المواطن على شكل خدمات ،وتبدأ بالمياه وأجرة العمال لتتوسع لإقامة مؤسسات تربوية وثقافية وقد تجد السلطة المحلية أموالا لرفع مستوى التعليم والثقافة وتشجيع الطلاب الجامعيين وتدعيم العائلات المستورة فيربح مجتمعنا بأكمله،اهو أيضا حلم؟ربما
ما المطلوب لتغير المعادلة لتصبح معادلة قابلة للتنفيذ لا مجرد مجموعة من الأسئلة؟
في الحقيقة ليس لدي جميع الأجوبة ولكن لدي تصور ولنجعله بسيطا،استيقظنا سكان المغار لنجد واقعا حلوا وغريبا،مجموعة من الشباب والصبايا يتطوعون ويزرعون مداخل المغار بالورود والأزهار ويزينون جدرانه ،والمجلس المحلي يضع إعلانا كبيرا،المغار ترحب بزائريها ،وخلال يوم شعرنا بمغار نظيفة مزينة مرحبة بزائريها ،أما المصالح التجارية فقد أعلنت عن حملة تنزيلات لا سابق لها وعن شعار المغار أولا ،وشعارنا الزبون صادق ونبتسم له ونقدم له القهوة والماء والشراب والكلام الحلو ،والمجلس بموظفيه وعماله يضعون الشعار –في خدمة المواطن –خدمة سريعة وبدون مماطلة وتسويف ،المدارس تتجند لأجواء محبة وتسامح وتثقيف على الانتماء ،توظيف كوادر جديدة وتقديم الشكر والتقدير لمن أعطى زهرة شبابه لطلابه وبات أمر خروجه للتقاعد حاجة ملحة ومطلوبة،المركز الجماهيري يقدم الدورات لأبناء المغار بأسعار تنافس الجميع ،اشكول بايس لديه نشاط ثقافي وتربوي كل ليلة ،مسارح المغار تقدم العروض على مدار أيام السنة ،الموهوبون من أبناء المغار يتلقون الدعم من السلطة المحلية ومن أصحاب المصالح ،نشاهد أول رائد فضاء من المغار يرفع علم المغار على القمر،نسمع وعن عازف كمان يجوب إنحاء المعمورة حاملا غصنا من زيتون المغار ومن نسيم جبالها ، نقرا عن عالم من المغار يقدم للبشرية دواء ناجحا للسرطان.
اسمع صوت المؤذن يدعو للصلاة ،/انه شهر رمضان المبارك ،لا بد واني استغرقت في النوم وفي الحلم ،سأعود للواقع انه الصباح ،سأذهب للعمل المياه مقطوعة والعمال غاضبون لعدم تلقيهم رواتبهم والسلطة المحلية غاضبة لعدم تسديد المواطنين التزاماتهم وأصحاب المصالح غاضبون على أهلهم الذين يشترون من كرميئيل ةوسخنين ويركا والمواطنين غاضبون على أصحاب المصالح الذين لا يضحكون للرغيف السخن ويطلبون أسعارا باهظة والموهوب يغادر قريته بدعم من أصحاب مصالح من خارجها ليقدم عزفه باسم المصالح الجارة بلحن حزين.
كل رمضان وانتم بخير