ليس الهدف الأساسي من كتابة هذا التقرير إطلاع قرّاء موقع سبيل على فعالياتي الاجتماعية والسياسية، وإنما تطوير حوار مبتكر وحقيقي حول الحلول السياسية الممكنة لمصيرنا كمجموعة دينية وثقافية في المنطقة بشكل عام، وعلى مستوى السويداء بشكل خاص في الفترة المقبلة.
للمرّة الأولى حاولت طرح هذا الموضوع بشكل واضح وصريح على مستوى سياسي رفيع المستوى، وتحديداً من خلال مشاركتي في مؤتمر حزب العمال البريطاني هذا الأسبوع. حيث قمت بإطلاع مئات المشاركين الذين حضروا من جميع أنحاء المملكة، للمشاركة في المؤتمر السنوي للحزب في مدينة برايتون الواقعة على الساحل الجنوبي، والذي استمر لأربعة أيام متتالية.
من خلال كلمتي التي ألقيتها على المشاركين، ومن المنشور الذي وزعته فيما بعد، حاولت إقناع قيادة الحزب اتخاذ موقف أكثر صرامة اتجاه الصراع المستمر على الأراضي السورية، والوقوف إلى جانب الأقليات الدينية والثقافية وحقها الشرعي في العيش بسلام، وتحديداً الطائفة الدرزية، وتجمعها السّكّانيّ الأكبر في مدينة السويداء.
والحقيقة أنني لم أُخْفِ على المشاركين في المؤتمر كما أودّ أن أصارحكم - قراءنا الأعزاء- بأنه أصبح واضحاً للجميع بأننا بحاجة إلى توجّه سياسي جديد، إذا أردنا المحافظة على كياننا في هذه المنطقة كمجموعة دينية وثقافية، وإلا فإننا سنجد أنفسنا في مأزق شديد على المدى القريب.
إنّ القوى الإسلامية، وما يعرف بداعش، تشكل خطرًا مباشرًا على كياننا كونها تُكَفِّر أي انتماء ديني لا يتلاءم مع الخط التّكفيريّ الذي تنتهجه، الأمر الذي يحثّنا على التعاون مع كل القوى السياسية الفعالة في المنطقة في الأشهر الأخيرة للمواجهة والتصدي لتلك القوى، وبذلك الحفاظ على كياننا الجسدي كمجموعة.
في حين أصبح واضحاً أيضاً أن سياسية النظام المركزي في دمشق بقيادة الأسد أصبحت ضعيفة جداً أمام التحديات الهائلة التي تواجهها من قبل المعارضة على أرض الواقع، ولم تعد للنظام القدرة على تأمين اللوازم والاحتياجات الأساسية للسكان في منطقة السويداء، وهو ما أجبر الآلاف من أبناء المنطقة على الانضمام إلى أفواج المهاجرين، واللجوء إلى إحدى الدول المجاورة أو حتى أوروبا.
هذه الهجرة تشكل خطرًا كبيرًا على الحفاظ علينا كمجكوعة دينية وثقافية، ومن أخطر أبعادها هو التغيّر الديموغرافي الذي تشهده منطقة السويداء، وانقلاب موازين النسبة السكنية، وبذلك تحويلها من منطقة ذات طابع درزي إلى منطقة ذات تعدّدية سكنية. الأخطر من ذلك هو انصهار المغتربين واللاجئين في مجتمعات أخرى، وبذلك فقدان أعداد كبيرة من أبناء طائفة ثقافية ودينية صغيرة.
بناء عليه، فقد أصبح واضحاً بأنه في حين تشكّل داعش والقوى الإسلامية المعارِضة خطرًا على الكيان الجسدي والديني لأبناء الطائفة الدرزية في سوريا، بات النظام يشكل خطرًا على الكيان للطائفة كمجموعة ثقافية ودينية على المدى الأبعد، مما يحثنا على البحث عن حلول سياسية جذرية اتجاه هذا المأزق الذي نحن بصدده.
هذا الاستنتاج يحفزني على أخذ المبادرة ووضع ما كنت قد تحدثت به في الماضي بشكل هادئ مع أصدقاء ومع شخصيات درزية وغير درزية، حول كون أمكانية الحكم الذاتي لمنطقة السويداء أفضل حل في ظل التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة، والحاجة الماسة لنا لإيجاد الأساليب الصحيحة لتطبيق هذه الإمكانية على أرض الواقع دون عواقب سلبية كبيرة.
كما سيلاحظ القراء من الكلمة المرفقة في الصورة، فإنني لم أقترح على المؤتمر أن يتبنى مشروع الحكم الذاتي لمنطقة السويداء إيماناً منّي بأنه علينا أن نطور الفكرة وأبعادها على المستوى الطائفي قبل أن يتم عرضها على الآخرين وعلى القوى السياسية العاملة على المستوى المحلي والدولي، كيف ذلك وأنا أومن بأن نجاح مثل هذا المشروع بحاجة في البداية وقبل كل شيء إلى الشرعية من قبل أبناء الطائفة وليس من أي قوى سياسية أخرى.
لا يغيب عن بالي بأن مثل هذا الاقتراح يتناقض مع ما كنت قد اقترحته في الماضي من خلال مقالاتي واقتراحاتي في السنوات الماضية، كالالتجاء إلى ما عرّفته حين ذاك بسياسة السكوت خلال معظم فترة الصراع على الأراضي السورية، وبذلك كنت قد شجعت أبناء الطائفة الدرزية في سوريا على اللجوء إلى سياسة السكوت والامتناع عن المشاركة والمحاربة إلى جانب اي قوة من القوى المتنازعة على السلطة السورية، في حين أصبح واضحاً بالنسبة لي أن مثل هذا الموقف يحتاج مراجعة في ظل التطورات السياسية الأخيرة. في حين سأكون ممنونًا لكم إذا بادلتموني الآراء والاقتراحات حول هذا الموضوع. وبإمكانكم التواصل معي عبر بريدي الإلكتروني الجامعي: [email protected]
في الصور: كلمة أمير خنيفس خلال المؤتمر.