الأخوة والأخوات الأعزاء , في اعقاب ما آلت اليه حال شبابنا وشاباتنا , ابناء دين التوحيد , مِن التعلُّق والتمسُّك بكل ما هو مُستقدمٌ مِن لباسٍ فاضحِ غير مُحتشم , رأيتها لزاماً علي أن أتطرق الى هذا الموضوع , موضوع اللباس المُحتشم , عَلَّ ما سأتقدم به في هذه المقالة يأتي بالفائدة والخير على القارئ /ة الكريم/ة , وأجري على الله سبحانهُ , وهو نعم المُثيب الوكيل .
أخوتي الأعزاء , بادئ ذي بدء , دعونا نتقي الله تعالى ونشكره على ما أولانا به من النِعم , وعلى ما دفع عنا من النِقم , فكم رزقنا من الخيرات , وعافانا من المصائب والبليات , وأثابنا بإحسانِنا وافر الحسنات , ومنحنا مِن فضلهِ أنواعاً مِن الطيبات وأنواعا مِن الملبوسات لكي نستُر بها ما بِنا مِن عوراتٍ وسيِّئات , ونتجمَّل بها في العمل وفي الطريق وعلى مقاعد الدراسة وفي الدواوين ومجالس الدين والخلوات , وقد قال في ذلك سبحانه , مذكراً لنا لعلنا نشكر : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم (عوراتكم) وريشاً ولباس التقوى , ذلك خيرٌ لكُم , ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " .
لقد تَكَرَّم سبحانه علينا بأن هدانا فأوجد لنا لباساً نسترُ به عوراتنا , ونُجمِّل به ظاهرنا , ولباساً أحسن منه وهو لباس التقوى , الذي يُجَمِّلُ ظاهرنا وباطننا في الدنيا والآخرة , ولباس التقوى هو الإيمان , الذي يجعل المرء يتقي ربه فيلازم طاعته , ويبتعد عن معصيته , ويستعين بنعمهِ على تحقيق مرضاته , واجتناب انتهاك حرماته , ولنتذكر جميعنا أن تقوى الله سبباً لِسِعَةِ الرزق , ويُسْر الأمر , وتكفير السيئة , وعِظم الأجر : " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً , ويرزقه من حيث لا يحتسب , ومن يتوكل على الله فهو حسبه " وهو نِعم الوكيل , وقال تعالى : " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً " . فاتقوا الله في جميع أموركم , واعملوا له شاكرين , واتقوه في ملابسكم , ولا تكسبوا بها وزرا .
الأخوة والأخوات , ابناء وبنات التوحيد : إن الأصل في اللباس الإتاحة (إتاحتهُ) , فإنه داخل في عموم قوله تعالى : "هو الذي خلق لكم ما في الأرض " . فكله حلٌ لنا إلا ما قام الدليل من الشرع على تحريمه , ولهذا كان المحرم من اللباس قليلا بالنسبة للمُحلل منهُ , وهذا عطاء من صاحب الفضل والجلال , وعطاؤه سبحانه أوسع من منعه , وهو تعالى لا يمنع عباده من شيء إلا لحكمة بالغة , ومصلحة جامعة , فإنه ذو الرحمة الواسعة , وهناك ضوابط توضح المحرم من اللباس , ينبغي أن يعلمها جميع الناس , وأن يسألوا أهل العلم عما لا يعرفون حتى يزول الالتباس , ومِن هذه الممنوعات :
1 - اللباس الذي فيه تشبُّه باللذين كفروا بالله وبمن هُم على غير التوحيد الحق , كاللباس الخاص بهم , أو ما فيه لهم مِن إشارةٍ أو شعار , فإن تحريم التشبه بالكفار (اللذين لا يؤمنون بالله تعالى) في اللباس من الأصول المهمة , التي توافرت بشأنها الأدلة , فكل لباس يختص بالكفار لا يلبسه غيرهم , فلا يجوز للموحد , رجلاً كان أو امرأة لبسه , سواء كان لباساً شاملاً للجسم كله أو لعضو منه , فمن تشبه بقوم فهو منهم , لإن التشبه بهم يدل على أن المتشبه بهم يشعر بأنهم أرقى أو أعلى منه درجة , فيعجب بصنعيهم ويفتن بمشاكلتهم (بمُحاكاتهم , تقليدهم) , حتى يقوده ذلك إلى اتباعهم في العقائد والأعمال والعادات والأحوال , وأقل ما علينا فعله في هذا المجال هو النهي والتحريم .
2 - اللباس الذي يُظهر العورة لضيقه أو شفافيته أو قِصره , لدى الذكر والأنثى , فإن الله سبحانه تكرم علينا باللباس الذي من فوائده ستر العورة وراحة الجسم , إذ يقول : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم " أي ليستر عوراتكم " . فإذا كان اللباس لا يستر العورة فإنه لا يتحقق به التمتع بمنتهِ تعالى ولا التجمل بالزينة به , فيجب على الرجال والنساء ستر عوراتهم , والستر لا يقصد به تغطية البشرة فحسب بل يتعداه إلى تغطية الأعضاء المحكوم شرعاً بأنها عورة , وسترها عن أنظار الناس , وعلى اللباس أن يكون واسعاً نسبياً , سميكاً , وليس شفافاً (سابغاً) , فلا ينحسر عن العورة , ولا يُظهرها (يصوِّرها) لضيقه أو شفافيته بصورةٍ مُريبة . اللباس الكاشف والفاضح كالشفاف والضيق والقصير , عند الرجل (مثل أولئك الرجال مِن ابناء التوحيد , اللذين يتجولون بالبناطيل القصيرة في قرانا ) والمرأة مِن الألبسة التي وجب تحريمها , وصانعها ومسوقها ولابسها مخالفون لشرع الله ووصايا أنبيائه الكرام .
3 - التشبه من الرجال بالنساء أو العكس , فكل لباس يختص بأحد الجنسين , سوءاً كان شاملاً لجميع الجسم أو مختصاً بعضوٍ منه , في لونه أو هيئته , فإنه لا يجوز للجنس الآخر لبسه , لما ورد من النصوص الصحيحة الصريحة في وعيد المتشبهين من الرجال بالنساء , والمتشبهات من النساء بالرجال بالعقاب , مُذكِّراً " ان الله شديد العقاب " , ومِن جميع المصادر التي عالجت هذا الموضوع يتضح لنا أن العُرف والشرع يحرمان لبس الرجل الملابس المتعارف عليها كلباس للنساء ولبس الفتاة أو المرأة ما هو مُتعارف عليه كلباس للرجل , حتى لا يتعرض الموحد أو الموحدة للعنٍ من الله سبحانهُ ومن الناس , وفي اللعن , الطرد والإبعاد مِن وعن رحمة الله سبحانهُ .
فمن راعى الضوابط التي ذكرتها , أخوتي وأخواتي الأعزاء , وكان لباسه/ا مُحتشماً لا مخالفة فيه بوجه من الوجوه , فلا حرج عليه/ا أن يختار ثوبه/ا ونحوه مما يحلو له/ا , رجلاً كان أو امرأة , بشرط اتباع الشرع وتجنب الشهرة (ملابس الشهرة) , وليس مهماً مَن هو صانع هذا اللباس أو مُسوِّقهُ (يعني الماركة أو المُصمم/ة , إذ يمكن أن يكون من تصميم أشهر المصممين والمصممات) , والمهم أن يكون لباساً مُحتشماً ومقبولاً شرعاً , فإن الحلال واضح ظاهر والحرام مِثلهُ واضح ظاهر , وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس , من وقع فيها وقع في الحرام على الدوام . فاتقوا الله أخوتي , أيها الموحدون والموحدات , واستعينوا بنعم الله على طاعته , ولا تجعلوها سلماً لمعصيته في ارتكاب مخالفته , واشكروا نِعَمِه , واحذروا نِقَمِه , واخلصوا عبادته , وأقيموا فرائضه , واحفظوا حدوده , " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله حيثُ توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب , فاستغفروه يغفر لكم , إنه هو الغفور الرحيم .