الخطوبة عند الموحدين الدروز:بقلم رياض حمزة

رياض محمد حمزة – جولس,
تاريخ النشر 15/10/2015 - 02:08:29 pm

الأخوة والأخوات أبناء التوحيد الكرام ,
في الآونةِ الأخيرة نلمس أن الكثيرين من أبنائنا وبناتنا , أبناء وبنات التوحيد , المخطوبين والمخطوبات , يفسخون خطوباتهم لهذا السبب أو ذاك , وأنا , والوضع كهذا , لست بصدد أن ألوم هذا أو تلك , فلكلٍ ظروفه/ا , ومع هذا رأيتهُ لزاماً علي أن أتطرق لهذا الوضع ( لكثرة حدوثه ) لتسليط الضوء عليه , علني أفيد البعض قبل أن تقع الفأس في الرأس , رغم علمي بأن الكثيرين من شبابنا وشاباتنا سيقولون :  " هذا الزلمة بعدو عايش قبل 50 سنة " – لأنهم يرون في الفلتان تقدماً -  ولا يهمني ما يقولون فالذي يهمني أن لا تقعوا في الخطاء , وحسبي الله وكفاني .   
ليس بخفيٍّ على أحدٍ  ان مذهب التوحيد قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات , ولكنه (المذهب) أحاط المرأة بكثير من التنبيهات والتحذيرات التي تبدو متشددة بحقها أحياناً , والواقع أن مذهب التوحيد جاء متوافقاً مع الشريعة التوحيدية , من جهةٍ , ومع التقاليد العربية الأصيلة , من  الجهة الأخرى , فهو يغار على المرأة دينياً ولا يريد لها أن تزِلّ قدمها في المعاصي والمغريات العصرية , والى ما تقود اليه تلك المغريات مِن وقوعٍ في المحظور والمحذور منه وارتكاب الفواحش واختلاط الأنساب . كما وانهُ  يجاري التقاليد العربية التي تعتبر المرأة عنوان كرامة الأسرة والعائلة والطائفة مِن بعدها . الكل منا يعلم أن للمرأة وجهان متعاكسان فإن كانت صالحة في سلوكها وتربيتها كان المجتمع صالحاً , وان كانت سيئة السلوك فإن هذا السوء يتعداها إلى المجتمع الذي يصبح فاسداً . من هذا المنطلق جعل مذهب التوحيد للمرأة قيمة كبرى , واعتبرها عنصراً مهماً وفاعلاً في المجتمع , لا تقل أهميتها عن أهمية الرجل , فساوى بينهما وأمر بإنصافها .
الخطبة , وهي أن يطلب الرجل الموحد من فتاة موحدة , مباشرةً , أو بواسطة وليّ أمرها , الموافقة على الارتباط بهِ برباط الخطبة , تمهيداً للارتباط لاحقاً , بزواجٍ شرعيٍ بينهما , وهي بالتالي من حيث المبدأ وعد بالموافقة  , ويحوي معانٍ عديدة أهمها الرضى والقبول بالشريك الآخر , ويعتبر مقدمة وفترة تمهيدية لعقد الزواج الذي هو من أهم وأخطر العقود قاطبة كونه يتناول مصير الإنسان , حياةً وقدراً .
المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية تنص على أن : ألخطبة تتم برضى وموافقة الطرفين , وبقراءة الفاتحة الدالة على الرضى والقبول وجعل الارتباط على محملٍ مِن الجد , وأن لكلٍ من الخاطب والمخطوبة ألحق في أن يرجع عن الخطبة من غير أن يلزمه رجوعه عنها بشيء ( قبل العقد – كتب الكتاب ) . أما فيما يتعلق بهدايا الخطبة فإذا كان الرجوع من جهة الخاطب فلا يجوز له أن يسترد شيئاً مما قدمه للمخطوبة , سواء أكان باقياً وقت رجوعه أم لم يكن (الشيء) . وان كان الرجوع من جهة المخطوبة وجب عليها أن ترد كل شيء قدمه خاطبها لها , فإن كان قائماً ردته بنفسه وان كان قد هلك في وقت رجوعها ردت مثله أو قيمته , ما لم يكن بينهما شرط يُعمل به , أما اذا كانت هناك شروط أخرى فيُعمل بها .
ومن أهم ما يتعلق بالخطوبة أنهُ لا يحل لرجل ( شاب ) أن يتقدم ليخطب فتاة مخطوبة , وذلك مِن منطلق مبدأ حفظ الاخوان  )المؤمن أخ المؤمن , فلا يحلُ لمؤمنٍ أن يبتاع على أخيه , ولا يخطب على خطبة أخيه إلا اذا حصل فسخ للخطوبة رسمياً ) .
نعلم أن الخطوبة في هذه الأيام تحصُل نتيجة تعارف بين فتاة وشاب قد التقيا في الجامعة أو النادي , أو في مناسبةٍ اجتماعيةٍ ما , أو زيارات أهلية , أو عبر وسائل ومواقع التواصُل الاجتماعي . وعادةً ( في السنوات الأخيرة ) تحصل الخطوبة بعد مصاحبة بعضهما البعض وبعد طول مسامرة أو مجالسة يتجاذبان فيها أطراف الأحاديث , ويتبادلان الأفكار , ويقرران ( بعد ان يقتنع كل منهما بالآخر ) الخطوبة , فيأخُذا بالرحلات سوية وبالسهرات واللقاءات في المناسبات الاجتماعية , ووووووو ..... الى ما نراه اليوم من أعمال لا يُقِرُها العقل ولا الدين كالتي يقوم بها كثير من هؤلاء , وذلك لأنهم أساءوا فهم الخطبة , وكم من خطبة فسخت بعد انعقادها وافترق على أثرها الفريقان , وفي مثل هذه الحالة تقع الخسارة الكبرى على الفتاة لأن فسخ الخطوبة يشكل لها انتكاسة , يطول بعدها الانتظار ليأتي البديل عن الخطيب الأول .
إن العشرة " المندلقة " ومرافقة الخطيب دون , حسيب او رقيب , ينعكس سلباً على وضع الفتاة بحيث يُحْجِمُ الشباب عن خطوبتها بسبب خطبتها الأولى , حيث ان الشاب الباحث عن شريكة حياته (عادة) يرغب الارتباط بالفتاة التي لم تخرج مع أحد ( هذا ليس ما ادعو اليه ) , ولم تعاشر سواه , فيقودها حظها العاثر إلى اليأس والانطواء أحياناً , وأحياناً إلى التمرد وسلوك الطرق الملتوية تعويضاً عما فاتها من آمال عريضة أو انتقاما من المجتمع الذي لا يرحم .
مُنذ القِدم أراد القيّمون على مذهب التوحيد أن يدرؤوا النتائج السيئة بالمقدمات الصحيحة حفاظاً على كرامة المرأة المؤمنة الموحدة , وصيانةً للرجل الموحد , فقادهم ذلك الأمر , سابقاً , لإتباع طريقة في التعارف بين الجنسين تظهر غريبة قياساً على ما نحن عليه في هذه الأيام ,  وانطلاقاً من أن عقد الزواج هو من أهم العقود المسماة وأجلّها , وإن الإنسان الحي الناطق أجلّ المخلوقات وأرفعها , وهو غاية الله تعالى من الوجود , اعتبر الموحدون أن الواجب اللازم قبل الزواج أن يَقِفَ أصحاب الشأن  , الخطيب على حال الخطيبة , من جهة دينها وعقلها ودنياها وبدنها وأصلها وأخلاقها...الخ  , وكذلك أن تعرف الخطيبة حال الخاطب في جميع أحواله الدينية والدنيوية وعن أخلاقه وفقره وغناه وحسبه ونسبه...الخ .
كما يقتضي على المكلفين (الواسطة أو الجاهة ) نقل صورة حال كل من الفريقين للفريق الآخر بكل دقة وأمانة وإخلاص دون زيادة أو نقصان , في الإطراء أو النقد .
ونلاحظ بأن الخطبة إذا حصلت بين الفريقين في الطريقة المشار اليها أعلاه ,  دون اختلاط ورحلات وسهرات , وفُسِخت بعد ذلك لسبب ما , فإن ذلك لا يؤثر على سمعة الخطيبة , ولا على وضعها الاجتماعي , كما لو كان الوضع معكوساً .
قد يبدو ما ذكرناه غريباً عن المألوف لدينا في أيامنا الحاضرة , إلا ان الموحدين الأتقياء لا يزالون سائرين على هذا النهج ,  ومحافظين على تلك التقاليد التي تبعدهم عن الشكوك ومواطن التهم . غير ان البعض الآخر الذي لا يطيق صرامة الشروط ويطبق ما يراه مناسباً في جميع الأمور المتعلقة بالزواج , ويخرج عن الحدود التي رسمها المذهب . وغالباً ما يقع هؤلاء في المشاكل الناتجة عن فسخ الخطوبة , وخاصة تحت طائلة الْسِنَة الناس والقيل والقال .
كما وجرت العادة , في هذه الأيام , التوجُّه لإجراء عقد زواج شرعي (كتب الكتاب)  بين الخاطب والمخطوبة قبل ان يقرر موعد الزفاف بزمنٍ طويل , بحجة أن العقد يتيح لهما التفرُّد بعضهما ببعض , وهذا يتناقض مع الدين والعادات والأعراف المتبعة , لأنه لا تحل المخطوبة للخاطب إلا بإجراء العقد الشرعي المستوفي الشروط القانونية , وإشهار العرس جماعياً , وبالتالي الانتقال إلى البيت الزوجي .
لإخوتي الموحِّدين أذكُر ما ورد في الحديث الشريف ,  " الرجلُ راعٍ على أهلِ بيته وهو مسئولٌ عنهم , والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده , وهي مسئولة عنهُم... ألا فكُلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسئول عن رعيّته "  , وعطفاً على ما تقدم فإنني أهيب بالأبناء والبنات عدم القاء حبالهم على غواربهم , والتشبث بديننا الحنيف , بأوامرهِ ونواهيه , واتقاء الله , وحُرمة العشرة والدين فيما ينهجون  ويفعلون , وذلك حفاظاً على أنفسهم وصوناً لها الغلط والفحشاء , والله من وراء القصد , وهو نعم الهادي والنصير , واليه المرجع والمصير  .
 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.عقل الدرزي محرر منذ الف عامالخطوبة ليست الزواج!!فالخطوبة هي فترة تعارف وتقارب تبنى على المحبة والعدل والإنصاف!! ويجب أعطائهم المساحة والإستقلال ليتعرفوا على بعضهم من الناحية العقلية والنفسية والروحية!! ومن ثم إذا كان تلائم ونصيب فيكون هناك زواج معلن ويعامل الزوجين بعضهم بالمساواة التامة ويجب على الزوجة مراعة خطة زوجها في الحياة!! هذه هي عقيدتنا وفكرنا وكفى!!15/10/2015 - 04:50:28 pm
2.عقل درزي غير مهيأبعد أغلاق باب الدعوة لم يعد هناك عاقل وجاهل واللباس الديني لا يثبت شيء!!العاقل المتدين لا يتدخل بأمور الدنيا أبداََ ، فهو بعقله يخضع نفسه ويرشدها إلى توحيد الله وحده لا شريك له وبهذا يصبح عاقل بالمفهوم الديني!!!! أي ممنوع منه التدخل بعقول الاخرين !! العقل مطلوب ومفروض عليه الحكمة وهو الذي يختار سبيله وطريقه ومسلكه بدون أي تدخلات من الخارج!! فالعقل هو المقرر وهو يعرف حقيقة النفس !! الجاهل هوصاحب العقل الذي لا يستطيع اخضاع نفسه لحكمته! أي حكمة عقله!!15/10/2015 - 05:12:04 pm
3.شابكل الاحترام لك على هذا المقال المفيد لاننا وللاسف نفتقر في هذه الايام للتوعيه15/10/2015 - 05:52:15 pm
4.11ان الخطبة بحد ذاتها تكفي للتعرف على بعض من قبل الطرفين. ولا داعي لان تطول او ان تكون التصرفات تحاكي تصرفات المتزوجين وذلك لسببين الاول يؤدي الى فتور في العلاقة والثاني يجب وحسب رايي ان يبقى شيى غامض في شخصية الانسان لا يجب ان يكشفه الا بعد الزواج. لكن وللاسف هنالك من يرى الصح عيب والغلط مراعاة للحياة. فكم من فتاة جاهلة لعقيدتها تعلن عن رخصها ودناءتها في مزادات علنية مؤطرة في أشكال عصرية غريبة الطابع مستوحاة من هامش المجتمعات. ايتها الفتاة لتكن الاستقامة دعائم حياتك ودعك من مغريات الحياة15/10/2015 - 10:36:11 pm
5.أثمار طيبة إنشاء اللهيا سيدنا الكريم !! أنت تذهب بعيداََ في أفكارك!! الحمدالله طائفتنا بألف خير وهناك بيوت وعائلات تعرف تماماَ واقع الحياة ومجراها !! نحن طائفة لا تدعي العلم والتحرر ولكن يجب ان يكون معلوماََ للجميع بان الإنفتاح نحو العلم والثقافة لطائفة كطائفتنا والتي تريد موكبة العصر ستجر بعض السلبيات وهذا شيء طبيعي !! لكن هذه السلبيات يجب ان تكون مدروسة ومقيمة عند الحكماء في طائفتنا لانه لن تستطيع الحصول على اجابيات بدون هذه السلبيات!! كفانا تقوقع وتبعية عمياء !! يجب على أبناء الطائفة الإتجاه إلى العلم والعمل وتثبيت مكانتنا بين الشعوب!! الثقافة العلمية والرقابة التربوية ستبعث الكثير من الإستقرار والوضوح داخل مكونات الطائفة!! صحيح من الصعب فتح أبواب التحرر بدون ثقافة!! لكن هذا هو الواقع عند جميع الشعوب!!16/10/2015 - 12:28:44 pm
6.عاقلهوالله كل الاحترام لشيخنا الفضيل ولكل المشايخ اجماعين لرقم خمسه يجب التحذير دائما والتذكير بمذهبنا نحن كدروز مع احترامي لكل الديانات طبعا هنالك الكثير من الظواهر الموجوده في مجتمعنا ويتطور الشي من ايجابي الي سلبي ولذلك يجي دائما التحذير وشكرا لشيخنا الفضيل16/10/2015 - 08:52:45 pm
7.اممقالة رائعة ويا ريت تكون بداية لمحاضرات توعية لشبابنا وشابتنا . في جميع المواضيع . شبابنا واع ولكن يفتقر الى التوعية والدعم يجب على مشايخنا احتضان الشباب والاكثار من محاضرات التوعية . مقالة واحدة لا تكفي . ننتظر المزيد .17/10/2015 - 01:05:11 pm
8.منقول عن مشيخة العقلصدر هدا الكلام عن مشيخة العقل في لبنان عام 2009 بعنوان الخطوبة عند الموحدين الدروز21/10/2015 - 04:22:20 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2439
//echo 111; ?>