عدتُ من سهرةٍ قبل قليلْ، مدووشًا متخومًا مصدوعًا عليلْ، بعد طعامٍ شَرَّ منه الدسمْ، وغناءٍ أشرَّ من الحِممْ، وسمّاعةٍ تجلب لك الصممْ، ورقصٍ فيه الكثير من الهوَجْ، والفوضى والنشاز والعوَجْ، ومطربٍ، والحقُّ يقالُ، جميلْ، غنّى أغنيات الطرب الأصيلْ، ليس فيه عيبٌ سوى ذاك الصهيلْ! واكتظاظٍ يكثر فيه التماسّْ، ويقلّ الإحساسْ، وتعلن بعده الإفلاسْ، فكرًا وعقلا ومالْ، (قضينا الصيف على هذه الحالْ!). على كلّ ولاختصار المقالْ، بعدَ أن شعرتُ بالملالْ، بعد جلوس دام دهرْ! خدرتْ فيه القفا والظهرْ، قلتُ في نفسي: أتسلّى! وأغيّر الأجواءَ وأتحلّى، وليس لي إلا ذاك النادلْ، يبدو فتيًّا غرًّا وغافلْ، أندهُهُ ونصطنع معه العلَلْ، ونفكّ من خلاله قيد المَللْ. ندهتُه بعد وجبة خروف شهيّهْ، علقتْ بعدها في أسناني شظيّهْ، وقلتُ له بلهجة عربيّه: "ممكن مسواكْ!". فنجر عينيهْ، وحكّ أنفه بظفريهْ، وتظاهر أنه لم يسمعْ، وعينُه من الحرج تدمعْ. وأحاط بكقه أذنهَ وقالْ: "ماذا عمّي؟ ما السؤالْ؟" أجبتُه وقد رفعتُ الصوتْ، حتى أقمتُ الأموات من الموتْ: "مِسواكْ! أريد مسواكْ!"، أجاب: "شو نسوانْ؟!". والله فضحني هالحيوانْ! وبجانبي زوجتي وبعض الجيرانْ! فنظرتُ حولي وقلتُ من جديدْ، والكلّ قد أنصتَ ليسمع المزيدْ: ممم ميم مسواكْ، كاف في النهايةِ وما أدراكْ! فقال: "آه مسواكْ؟". وتلعثم وتلبّك ونظر حولَهْ، كأنّه مصارع خسر جولَهْ، والكلّ قد فنجر عيونه كالنادل تماما، فشعرت بالأسى على لغة الماما! ووضّحت له المسواك بالإشارَه، وقلتُ بذا أختصر العبارَه؛ فقال: آه تريد قشّه! فقلتُ بنفسي (تجيك فشّه)، وكشّرتُ عن أنيابي كضيغم المتنبّي، وقلتُ: شايف هالطعام المتخبّي؟ وحرّكت سبابتي وإبهامي ملتصقَينْ، قرب أسناني من الجهتيْنْ، وأنا أنظر حولي في حرجْ، فانطلقت أساريرُه وانفرجْ، وقال: آه... كوسيم شينايِمْ، احكيها بالعربي بفهمها وانا نايمْ! وصمتُّ وقلبي جُوّا يتقطعْ، والصمتُ أبلغُ من التعبير لو تسمعْ! قلتُ: نعم هو ذاكْ! طرْ وأتني بمسواكْ! غابَ الفتى وأتى بخمسة مساويكْ، فخاطبته: غفر الله مساويكْ، احفظ هذه الكلمة ولا تنسها يا صديقْ، ولا بأس بتوبةِ من ضلّ الطريقْ! ابتسم وقال بكلّ جدّيّهْ: الكلمة غريبة، أهي عبريّة؟ فقلتُ في نفسي: وهل يُصلحُ العطّارْ؟ ونهضتُ من يأسي وكانَ عقلي طارْ، وقلتُ للمدام ما دام دمّي حامي، فلنتسللْ هربًا فنتّقي احتدامي... وكان النادل يئس وفرّ من أمامي. جمعتُ نفسي مرهقًا ولملمتُ عظامي، وابتسمتُ مكرَهًا كي أخفيَ اهتمامي، وصافحتُ العريس وأباه والإشبينْ، وقلتُ: الحمد لله، لقد وفّيت الدينْ! وعدتُ أدراجي وأنا أجرّ رجلي جرّا، وسألتُ نفسي: متى العربيّ يغدو حُرّا؟ دائرة من العادات تطحن وقتنا طحنا، ندور فيها ولا نحاول أن نغيّر لحنا! والكلّ يصرخُ أو يئنّ ولا يحرّك ساكنْ، كأنّ سحرًا حلّ على السكّان والمساكنْ... همّ ثقيلٌ لم يهنْ إلا مع المسواكْ، والهزلُ ممسحة الكآبة فاختزلْها بذاكْ...
(جريس خوري- طرعان، 2015)