من أصعب محطات عملي الاجتماعي كانت وبدون أدنى شك خلال فترة عملي في الجمعية الدرزية البريطانية خلال فترة دراستي في لندن. بالرغم من التشوق الذي أظهره بعض أفراد إدارة الجمعية اتجاه فكرة انضمام فرد من من أصول غير لبنانية؛ إلا أن الفوارق الثقافية والخلفية التاريخية بيني وبينهم سرعان ما ظهرت على الواجهة، والخلاف في الآراء أصبح واضحًا من خلال كل عمل ومناسبة قامت بها الجمعية في السنوات الأخيرة.
كان الخيار الأسهل - من جهتي - في مواجهة الخلاف بيني وبين أعضاء الجمعية الآخرين مشابهًا للخيار الذي اختارته مجموعة من رؤساء المجالس المحلية في الأيام الأخيرة وتحديداً، رفيق حلبي، وهيب حبيش، سلمان عامر، معذى حصباني، نبيه أسعد ونهاد مشلب، فأقيم جمعية جديدة كما أقاموا منتدًى جديدًا وذلك عن طريق ترتيبات قانونية، وصفحات فيسبوكية، وبمشاركة لفيف من المخذولين من الجمعية الأولى.
بالرغم من سهولة هذه الإمكانية ويقيني من نسبة نجاحها العالية تنازلت بشكل قاطع عنها، وقررت الاستمرار في العمل من داخل الجمعية متحديًا الفوارق في وجهات النظر؛ إيماناً مني بأن نجاحي الحقيقي هو ليس في تقسيم المناصب والمهمّات الإدارية، كما هو الحال عند بعض رؤساء المجالس، بل في نجاح الجمعية في تحقيق أهدافها. مؤكداً بذلك أنه على الرغم من الفوارق والخلافات فإن ما يربطني مع ابن حاصبيا والسويداء أكبر بكثير ممّا يربطني مع ابن لندن، وأنه لا تأثير للحدود السياسية التي صنعتها الدول الحديثة في المنطقة على التواصل الروحي بين أبناء الطائفة الواحدة، كما التضاريس المختلفة بين الكرمل والجليل يجب أن لا تؤثر على التواصل الروحي بين أبناء العائلة الواحدة، وإذا فشلت قيادتنا السياسية والدينية في وضع هذه الأمور على رأس سلم أولويات أعمالها في السنوات الماضية، فهي لن تنجح في إحباط تواصلنا وتطبيق ذلك في الفترة المقبلة.
هذا كان أملنا منذ البداية اتجاه رؤساء المجالس المحلية الذين انتُخِبوا منذ عامين، وأنا شخصيًّا عبرت عنه من خلال مقالة بعنوان "الربيع الدرزي"، بشّرت من خلالها بانتخاب نخبة قيادية جديدة، ذات تجربة غنية في العمل الجماهيري ومع مؤسسات الدولة، الأمران اللذان نحن بأمس الحاجة لهما للحفاظ على وحدتنا كمجموعة ثقافية- ودينية في ظل التقدم العلمي السريع، وفي المواجهة القاسية مع الحضارة الإسرائيلية المتقدمة وخطورة الانصهار في داخلها، وكل هذا دون التقصير أيضاً في السّعي من أجل تحسين البنية التحتية في قرانا وتوفير احتياجاتنا اليومية.
الانقسام الذي حدث في منتدى السلطات الدرزية في الأيام الأخيرة هو ليس ما كنا نتمناه، وهو على العكس تمامًا من الآمال الكبيرة التي علقناها بالرؤساء المنتخبين. بل هو بمثابة شهادة فشل على جميع المستويات، ووصمة عار علينا جميعًا بما فيهم كاتب كلمات هذه المقالة. الانشقاق أثبت أن الرؤساء بعيدين كل البعد عن المصلحة العامة، وأنهم في نهاية الأمر ليسوا بأكثر من قيادات عائلية تفتقر النظرة العامة حتى إلى مستوى قراهم، ولهذا أيضاً يشعرون بالارتياح أكثر بالعمل على مستوى منتدى حمائل قروية بدلا من منتدى لسلطات محلية.
آمالنا كانت بتطوير المنتدى القائم وتقويته بضم قوى جديدة تمثل دروز شفاعمرو وكفرياسف وقوى تمثل قرى الجولان وقوى سياسية تمثل اللجان الشبابية التي بحاجة إلى دعم كالطلاب الأكاديميين ولجانهم في الجامعات والمعاهد الأكاديمية والقوى النسائية التي سئمت التجاهل المستمر اتجاة مطالبها في مشاركة حقيقية في قيادة مجتمعنا. في حين كان الإنجاز العظيم لهؤلاء الرؤساء هو بناء منتديين اثنين واحد يمثل: دار حلبي ودار حبيش ودار عامر ودار حصباني ودار أسعد ودار مشلب، في حين يمثل المنتدى الثاني دار حمود ودار أبو لطيف ودار قبلان ودار كيوف ودار دغش ودار سويد ودار عامر، وكل ما تبقى الآن هو أن يجد كل منتدى "شيخ مفلس" يلبس الزي الديني يرافقهم خلال لقاءاتهم مع ممثلي السلطة ليأكدوا كونهم الممثلين الشرعين لبعض الحمائل الدرزية.
فشل المنتدى بمثابة صفعة على جبين جميع أبناء الطائفة المتعطشة إلى مؤسسة سياسية واحدة منتخبة على أيدينا تمثلنا بشكل حقيقي وفعال أمام مؤسسات الدولة بعد ما يقارب مرور سبعة عقود منذ تاسيس الدولة، نثبت للجميع بأننا نستحق أكثر من قيادات دينية تنتخب بالخلافة كالخلافة العباسية، وأننا لسنا بحاجة لتقبيل أيدي روساء الأحزاب اليمينية في تأمين أعضاء كنيست دروز في قوائمهم لكي يصل صوتنا إلى آذان السلطة.
إن محاولة تبرير الانشقاق الذي حدث في الأيام الأخيرة بتصريحات رنانة كما تحاول بعض القيادات الإعلامية مرفوض؛ وهي بمثابة استهتار بطلب الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة الذين يناشدون رؤساء المجالس المحلية بالتعالي عن الفوارق والخلافات بينهم والتعاون مع بعضهم البعض من أجل السعي بنا إلى مستقبل أفضل كمجكوعة ثقافية ودينية تستحق قيادة شريفة، نظيفة واعية تستطيع أن تقوم بدروها بثقة وبأمانة.