كل إنسان يولد مع هم. ويولد الدرزي مع همين.
يحمل كل إنسان هم بقائه، إلا الدرزي يحمل هم بقائه وهم بقاء الدروز. ان هذا الهم يجعل الدرزي منذ الصغر يتصرف وكأنه مسؤول عن كل الدروز.
منذ طفولته يربى الدرزي على ان الدروز في خطر، بل تحيط بهم أخطار: خطر الانقراض، خطر الملاحقة، خطر الاضطهاد وخطر الانصهار.
ويرضع ان عليه واجب المحافظة على سرية الدين، وعدم الخوض في النقاش الديني مع الآخرين، وألا يبرز الخلاف عنهم بل الوفاق معهم. وعلى احترام جميع الأنبياء والكتب المقدسة العقائد والأديان.
ويربى على حسن المعاملة وأدب التصرف مع الناس وخاصة الأغراب والأجانب والآخرين، واللطف بهم. وعلى المسايرة والمساترة والمجاملة للناس وللأكثرية والسلطان والسلطة.
بالاختصار يلزمه ان يعامل الناس بالتي هي أحسن، لان تصرفه الطيب يرفع قيمة الدروز ويكفّ ألسِنة الناس عنهم ويمنع الإساءة إليهم. ولا يدع سببا للتعدي عليهم. فتميل قلوب العالم إليهم.
ولان سلوكه السيئ يجلب لهم السمعة السيئة ويعرضهم للكراهية والملاحقة والانتقام.
ويشعر الدرزي ان عليه ان يكون الأحسن في السلوك، والأكثر اجتهادا في العمل، والأخلص لرؤسائه، والأرفق بمرؤوسيه.
وربما هذا الهم جعل يهود المهاجر يتفوقون في الثقافة والعلم والاختراع وجوائز الأوسكار.
هذا شعور أبناء الأقليات في العالم مثل الأرمن والشركس والأكراد والتبتيين واليهود واليزيديين وغيرهم. ولقد جعلهم هذا الهم يقيمون دولا عرقية او قومية لهم.
لكن الدروز لم يقيموا لهم دولة. ففي زمن الفاطميين إبان الدعوة لم يقيموا لهم دولة، وإنما أقاموا دار هجرة، إلا أنها لم تدم. كذلك زمن حكم الأمراء التنوخيين في عز أمارتهم لم يحاولوا الانفصال عن الدولة الأيوبية او دولة المماليك. كما ان فخر الدين المعني ما نوى الانفصال عن الدولة العثمانية، بل اراد إقامة إمارة شبه مستقلة ضمن الدولة العثمانية. ورفض عرض الغربيين بالانفصال عن العثمانيين.
وان زعيمهم سلطان باشا الأطرش رفض قيام الدويلة الدرزية زمن الانتداب الفرنسي، كما ان وريثه في زعامة الدروز كمال جنبلاط رفض ذلك بعد حرب 67. وهذا ما يرفضه دروز سوريا اليوم.
كل ذلك لان دينهم لم يدعهم لقيام دولة كما عند المسلمين واليهود. ربما لان دولتهم في الآخرة: دولة الصدق والحق والعدل. ولان الدروز اعتبروا أنفسهم جزءا من هذا الشرق الإسلامي. وانفصالهم عنه قد يكون لغير صالح البقاء الذي ينشدونه.
ولأنهم وعوا ان إمكانياتهم البشرية والمالية ونقص الثروات الطبيعية في بلادهم وتوزعهم في عدة مناطق لا توفر لهم دولة قوية مستقرة، ففضلوا الانخراط في هذا الفضاء الشرقي، مع العمل الدءوب على الحفاظ على عقيدتهم وتقاليدهم.
ان مكارم الأخلاق وحميد الخصال وجميل الفعال وحسن الأدب الذي يتحلى به بنو معروف وليد هذا الهم. إلا ان هذه المحاسن أصبحت طبيعة فيهم تولد معهم، يرضعونها من أمهاتهم ويتربون عليها ويتوارثونها جيلا بعد جيل. وستبقى ما بقوا.
وسنظل نحمل ونعاني هم بقاء الدروز بفخر وألم ما بقي التعصب الديني في هذا الشرق والعالم، وحتى يهدي الله عباده الى ما فيه الخير والمحبة والاخاء والاحترام والتسامح بين الشعوب والامم والاديان والطوائف والبشرية جمعاء .