فشل اليوم الدراسي عن الدروز في جامعة حيفا الذي تبنته مجموعة من القومجيين الدروز في مقدمتهم د.رباح حلبي كان من الأخبار السارة المعدودة التي سمعتها في ظل موجة العنف والأحداث الدامية التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة. مشاركة أقل من خمسين شخصًا خلال معظم ساعات اليوم من أصل ما يقارب 130 ألفًا هو بمثابة فشل، أعاد هذه المجموعة وما تمثلة من طروحات وتحليلات وحتى برامج عمل مستقبلية اتجاه الطائفة الدرزية في البلاد إلى حجمها الطبيعي، مؤكدة بأنها كانت ولا تزال على هوامش طائفتنا، وأن محاولاتها المستمرة في فرض وجودها من خلال الإعلام الأصفر وشبكات التواصل الاجتماعي بعيدة كل البعد عن تطوير حراك حقيقي عند أبناء الطائفة يتماشى مع رغباتها في المستقبل القريب.
موقفي السلبي من يوم دراسي عن موضوع يشكل محور حياتي الأكاديمية على مدار أكثر من قرنين، وحول مجموعة الانتماء الأولى في حياتي والأكثر أهمية في مركبات هويتي قد يبدو غريباً، ولكنه بالطبع الرد الحيقيقي والصريح إذا تعمقنا في الفكرة الأساسية من وراء هذا اليوم الدراسي والأصوات الصادرة منه. ناهيك بأنه على نمط المجموعة الأكاديمية التي بادرت وسعت من أجل إقامة مثل هذا اليوم الدراسي أنا أيضاً مع مجموعة أخرى من الشباب والشابات قطعنا شوطاً طويلاً في البحث والعلم والتأملات في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعلقة بالطائفة، وعليه من الممكن تعريفنا بالأكاديميين الدروز أيضاً، ولكن على عكس القومجيين الدروز الذين يرون بالطائفة الدرزية حالة مشاكسة داخل الأمة العربية والعالم الإسلامي يجب العمل على إعادة صهرها بكل الإمكانيات المتاحة، نرى أنا ورفاقي بالطائفة الدرزية طائفة مستقلة لها مركبات ثقافية مشتركة مع الأمة العربية كاللغة والثقافة الاجتماعية، ولكنها ذات مميزات ثقافية ودينية خاصة بها، وبناء عليه لها الحق الكامل في أن تعيش في مواطنها وعلى أراضيها بشكل مستقل وحر دون أن تمس بأحد ودون أن يمس بها أحد.
نقطة الاختلاف بيننا وبين القومجيين الدروز تنعكس من خلال شرحنا للماضي. هكذا على سبيل المثال لا يضيع القومجيون الدروز أية فرصة في تهميش سياسة الولاء التي اتبعتها قيادات الطائفة وحمائلها اتجاه الدولة في الفترة ما بعد قيام الدولة، حتى نكاد نشعر بأن جزءًا منهم يخجل من الحقيقة بأن أبناء الطائفة لم يدفعوا ثمن النكبة التي وقعت على 850 ألف فلسطينيي، الذين -على أثرها- وجدوا أنفسهم في مخيمات اللاجئين وهو العدد الذي يضاهي 65 ضعفا عدد أبناء الطائفة التي عاشت في فلسطين في عام 1948، في حين نرى بها قرارات صحيحة أنقذتنا من نكبة كانت لتقضي على وجودنا حيث ازداد عددنا من 13 ألفًا حين ذاك إلى ما يقارب ال 130 اليوم.
نقطة الاختلاف في المبدأ بيننا وبين القومجيين الدروز تنعكس من خلال فهمنا للحاضر أيضاً. هكذا على سبيل المثال لا يتقاعس القومجيون عن تلطيخ الدائرة الدرزية في وزارة المعارف، وتجريح كل من عمل على تطبيق المنهج الدرزي وذلك حتى من خلال اليوم الدراسي الذي عقد مؤخراً، وكل هذا طبعاً بسبب احتواء هذا المنهاج لمواد تهدف إلى تعزيز الهوية الطائفية عند الطلاب الدروز والتي طبعاً تتصادم مع أحلامهم القومية اتجاه أبناء الطائفة. في حين يتجاهل القومجيون الحقيقية بأن الطائفة الدرزية افتقدت كل معالم العلم حتى عام 1948 وأنه حتى منتصف الستينات لم ينه التعليم سوى بضعة أكاديميين من أبنائها. في حين استطاع العاملون على الدائرة الدرزية وعلى رأسهم الأستاذ سلمان فلاح والشيخ فايز عزام والمرحوم نزية خير والمرحوم الشيخ سامي فراج صناعة انقلاب في المستوى التعليمي عند أبناء الطائفة نرى ثماره في السنوات الأخيرة من خلال نتائج البجروت في جزء من مدارسنا وفي عدد الطلاب والطالبات في المعاهد العليا.
هكذا أيضاً نختلف مع القومجيين في طموحاتنا المستقبلية. ففي حين يرى القومجيون سياسة اليمين الإسرائيلي اتجاه أبناء الطائفة فرصة جديدة من أجل حشد أبناء الطائفة ضد الدولة ومؤساستها وهو الصوت الوحيد الذي سيطر على اليوم الدراسي، نرى نحن بالتغيرات الجذرية على الساحة السياسية المحلية والإقليمية فرصة جديدة لإعادة ترتيب أوراق عملنا، وتنظيم مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية، والبحث الحقيقي في موضوع تواصلنا مع الأخوة في الدول المجاورة.
حتى مخاوفنا اتجاه المستقبل تناقض مخاوفهم. فأي علاقة عاطفية مع شباب وصبايا من خارج أبناء الطائفة هي بمثابة قضاء على كياننا كمجموعة ثقافية ودينية، وعليه فإن شخصيات مثل أسامة حلبي من المرفوض أن تشارك في أي عمل يتعلق بأبناء الطائفة، حتى وإن كان مجرّد يوم دراسي، وأن يتحول أيضاً إلى المعلق الرئيسي خلال هذا اليوم، وعلى حد قول المربية المتميزة مدلين زاهر: "أنك تنسلخ عنا وعن جذورك وأنتمائك وتيجي تلقنا دروس في الهوية". على ألاغلب يقلقكم أيضاً عدم التواصل الوطيد مع القوى العربية والسياسية الفعالة في البلاد، في حين يقلقنا غياب قوى سياسية حقيقية تمثلنا بل حتى يحزننا فشل رؤساء المجالس الدرزية في رص وحدة الصف ولربما يزعجكم الانقطاع مع الأمة العربية، في حين يشغلنا البعد الثقافي بين قرى الكرمل والجليل والجولان.
خلاصة الحديث؛ إنّ محاولة تلوين الهدف الأساسي من وراء اليوم الدراسي بألوان زهرية من خلال مشاركة بعض الصبايا والمختصين هي محاولة فاشلة. لأن الهدف الرئيسي من اليوم الدراسي لم يكن لعرض أبحاث أكاديمية، وإنما لعرض مواقف سياسية تهدف الى توسيع الهاوية بين الطائفة الدرزية والدولة، ومن ثم رفع نسبة التقارب بين أبناء الطائفة والتواصل العربي حتى على حساب الكيان المستقل لأبناء الطائفة ليصبحوا على شكل الصهاينة الدروز وجها آخر لنفس العملة: القومجيون على استعداد بالتضحية بالطائفة من أجل التواصل مع الأمة العربية، في حين الصهاينة الدروز على استعداد بالتضحية بالطائفة من أجل إثبات ولائهم للصهاينة والدولة.