ان الدين هو العامل الأول والأكبر في بلورة وصيانة كيان الطائفة الدرزية، وخاصة عند بداياتها، إلا انه ليس وحده الذي صانها وحفظ أتباعها، بل كان على طول تاريخها دور كبير وخطير في الحافظ على كيانها وبقائها للأمراء الدروز التنوخيين والمعنيين والارسلانيين ولمشايخ العائلات الإقطاعية: حنبلاطية وعمادية وتلحوقية ونكدية وغيرهم، الذين جعلوا للدروز كيانا سياسيا ومعنويا ضمن إماراتهم واقطاعاتهم في لبنان، وحموهم من غزو الصليبين وظلم الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، وثبتوا أقدامهم في مواطنهم.
وان الذي فتح لهم موطنا جديدا في جبل الدروز هي سواعد رجالهم وأيادي نسائهم وسيوف فرسانهم الذين صمدوا في وجه غزوات البدو وجيش إبراهيم باشا وبطش العثمانيين، ومنعوا التهجير والقتل والتشريد، وصانوا اعراضهم وشرف نسائهم.
وان من رفع معنويات الطائفة وجعلوها مهابة الجانب ويحسب لها حساب، سلطان باشا الاطرش ورفاقه المحاربين الابطال الذي ثاروا ضد فرنسا وكسروا جيوشها.
كذلك فان الأحزاب والتنظيمات والمليشيات الدرزية في لبنان هي التي ربحت معركة الجبل وحافظت على بقاء الدروز في قراهم ومناطقهم وآمنت حياتهم وفرضت احترام الطائفة محليا وعالميا.
لقد كسب الدروز معاركهم المصيرية بروحية مشايخ الدين وبحكمة الشيوخ الزمنيين وبضرب السيف وفنون الحرب والإقدام والشجاعة من الرجال والنساء.
لقد كان للقوة المكان الأول في كسب هذه الانتصارات والصمود ضد محاولات التعدي على الطائفة وكيانها ووجودها وأرضها وعرضها وعقيدتها وترسيخ وجودها ومكانتها.
اما اليوم فقد قل دور السيف والحرب. وأصبح العلم الوسيلة الأنجع لحفظ الطائفة ضد ما قد تتعرض له من عقبات وأزمات ومشاكل ومخاطر. فقد كان كمال جنبلاط بعلمه الروحاني وثقافته العالمية وحنكته السياسية وفلسفته التوحيدية ومواقفه النضالية وعلاقاته مع العالم العربي والعالم الواسع عاملا أساسيا في تعزيز مكانة الطائفة وإبراز وجهها المشرق وتقوية وحدتها وكيانها. وكان الدكتور سامي مكارم وغيره من الباحثين والعلماء ورجال الفكر سياجا معنويا وروحيا للطائفة.
فعلينا ان نوجه كل قوانا إلى اكتساب العلم. هذه الثروة التي ستجعلنا قوة فاعلة باقية ومشاركة في هذا العالم. لان من لا يكون فاعلا ومشاركا وقادرا على التأقلم في عالم الهايتك التخنولوجي العلمي سيضمحل ويتلاشى او سيكون حطابا، ان وجد حطب، وسيعيش على الفتات.
الطائفة تحتاج إلى سلاح ليحميها من الضياع والتشرد والملاحقة ويبعد عنها تعصب المتعصبين ويدفعها إلى التطور والتقدم واللحاق بركب الحضارة. وقد جاء في الكتاب العزيز واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. والقوة هي العلم. لان العلم يمكن الدين ويطور الاقتصاد ويدعم القوة ويرسخ وجود الطائفة وكيانها دينيا وعقائديا ومعيشيا وحضاريا وعسكريا.
فقد توصل اليهود إلى هذه القناعة ففاقوا على العالم بعلمهم. وكذلك الأرمن والمسيحيون في الشرق وغيرهم من الأقليات.
لا يكفي ان نتكل على الله وأنبيائه ليحفظونا ويصونونا ويطورونا ويقدمونا. فقد قيل: قم يا عبدي تقوم معك. ان الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إننا بأمس الحاجة إلى نهضة علمية تلحقنا بباقي الطوائف. بل تجعلنا في المقدمة. فماذا ينقصنا؟ بدنا نية صادقة وعزم أكيد وتضافر قوى، وجو يشجع الولد والبنت والعاقل والجاهل على نهل العلم. وجعله الهدف الأول والأفضل والاسمى عملا لا قولا فقط.