بقلم : فؤاد سليمان
بعد عملية تفتيش مزعجة في مطار حيفا، ركبنا طائرة صغيرة وخلال زمن قصير وصلنا إيلات. عبرنا الحدود إلى مصر. عندما دخلنا فندق الـ"هيلتون" في طابا قلتُ لنفسي: "هذا محل راح ننبسط فيّو"، أما زوجتي فقد صرخت في وجهي: "شو هادا، مش عاجبني المحل". بعد جهد جهيد أقنعتها بقضاء ليلة واحدة في الـ"هيلتون"، على أن نغادر في صباح اليوم التالي إلى مكان اسمه "كُمب رمضان" في "رأس الشيطان".
وهذا ما حصل. بعد ليلة واحدة في الـ"هيلتون" ذهبنا إلى "كمب رمضان". هناك عادت الابتسامة إلى شفتي زوجتي. في كمب رمضان تعرفت على شاب لطيف اسمه "مديان" جاء من الصعيد للعمل في الكمب. في صباح اليوم التالي
جاء مديان إلى الخشّة التي استأجرناها وصبّحني بالخير وقال: "هنا في سيناء يمكنك اكتشاف نفسك"، فأجبته: "نعم، انه مكان كويّس وهادئ". عزمتُه على فنجان قهوة وبدأنا بالحديث عن السياسة. فهمت أنه يعتقد أن السلام الحقيقي سوف يأتي وانه يعتز بـ"عرب الداخل" ويحترمهم لكونهم لم يهربوا ولم يتركوا بيوتهم.
في جلسة حول طحينة وبطاطا مقلية مع مديان وزوجتي، حدثنا مديان عن طبيعة سيناء ومناخها، وعن نظافتها وخلوها من التلوث،وحسب قوله، فان سيناء شبه خالية من التلوث. أما بالنسبة للحياة الاجتماعية في الكمب وفي سيناء عامّة، فقد قال بأن البدو واليهود والأوروبيين الذين يأتون إلى المكان يعيشون مع بعضهم في بسلام، وأن هذا يشكل مثالا ناجحًا يجب أن يُحتذى.
بعد أكل الطحينة والـ"تشيبس" بدت لي زوجتي في قمة السرور. كذلك بدا لي صديقنا مديان. أخرجت سيجارة وأشعلتها ثم نظرت إلى البحر الأحمر وإلى السفن المبحرة فيه وقلت لنفسي: "هيّاني، أنا وزوجتي ومديان في سيناء ننظر إلى أفق واسع وبعيد عن ضجة المدن". فجأة ابتسم مديان ابتسامة واسعة وقال: "هل تريدون أن تروا الأسماك في البحر؟"، فأجبته: "نعم، لما لا". قال أن المكان يعجّ بأسماك جميلة وصالحة للأكل، وأن سبب هذه الوفرة هي الطبيعة المرجانيّة لقاع البحر، حيث تبني الأسماك بيوتها. تدخلت زوجتي في الحديث وقالت: "نعم رأيت الأسماك أمس. إن منظرها في غاية الروعة".
عندما أخبرتُ مديان أننا أتينا من الـ"هيلتون" قال: "إن الـ"هيلتون" كويّس وبيفرفش، أما الكمب هنا فهو أهدأ وألذ حسب رأيي". زوجتي وافقت معه قائلة: "الكمب أفضل بالنسبة لي فالهيلتون مكتظ". أما أنا فقلت: "مِش ناقصني إشي، فهون راح أتعلم الكثير وأنبسط"، ثم نظرت الى السياح الذين يتجولون على للشاطئ - الشباب، الصبايا، الأطفال والبدو والعسكري الذي يجلس في الزاوية، وفهمت أن ما قاله مديان صحيح، وأن هنالك إمكانية لتعايش سلمي بين الجميع.
عندما جلست مع زوجتي خارج الخُشّة نشرب الشاي وندخن السجائر، تذكرت التفتيش في المطار، لكنه بدا لي أمرًا سخيفًا وغير ذي بال، فحين نستجم ونرتاح ونجد أنفسنا عشاقًا مرة أخرى، يبدو اكتشاف النفس أهم الأمور ويصبح الأشخاص الذين أعانونا على هذا الاكتشاف أصدقاءًا أعزاء وكرماء.