هآرتس 2015/11/27
نشأت أشرقت كتاني، 16 سنة، في، مخيّم للاجئين بلا أُمّ وبلا الأب الذي كان في السجن، تلميذة حَسَنة السلوك، محبوبة في المدرسة، حاولت هذا الأسبوع طعن امرأة إسرائيليّة عند مفترق حواره، دُهِسَت، ثم أُطْلِقت النار عليها فقُتِلت.
يُمكنك أن تصرخ "مُخرِّبة" حتّى إذا كانت ابنة 16 سنة، يمكن أن تتفهّم الدهس الوحشي تلقائيّا، بتضليل لا يُصدّق، ويمكن فهم تأكيد القتل بعد الدهس الوحشي، رصاصتان من مستوطن، ومثلهما من جندي، متعادلان، على جسد فتاة دُهِست وألقِيَت في الشارع، لا أحد يشكك في أن أشرقت طاردت امرأة إسرائيليّة صباح يوم الأحد، عند مفترق حوّاره، وهي تُشْهر سكّينا بيدها، وتهددها بالطعن، لكن يجب أن نسأل ما الذي دفع ابنة إمام مخيّم عسكر، حسنة السلوك، والكلّ يحبّها، لأن تقول لأبيها إنّها ذاهبة إلى المدرسة، وبدلا من ذلك تأخذ سكّينا، وتذهب إلى مفترق حوّاره، وتحاول طعن امرأة إسرائيليّة.
رُفعت في اليوم الثاني لافتات التخليد فوق الأزقّة الضيّقة في مخيّم عسكر، مخيّم فقير، مكتظ للاجئين، يقع شرقي نابلس، لم تكن جنازة لابنة المخيّم: دولة إسرائيل لم تعد الجثّة بعد، كانت الحركة بطيئة، وبفوضى تامّة في المخيم يوم الاثنين، الطرقات الضيّقة في المخيم تتسع لسيارة واحدة فقط، تجمّع الفتيان عند نواصي أزقّة المخيّم المتمرس بالنضال والذي لم يتعوّد بعد شهيدة عمرها 16 سنة.
والد أشرقت، طه كتاني، إمام مسجد مخيّم عسكر، يترك انطباعا إيجابيّا، يلبس جلبابا تقليديّا، يعتني بلحيته، يتكلم همسا، لا ينكر أن ابنته خرجت لتطعن يهودا، " أشرقت تردّ على الاحتلال" يقولها بهدوء، وبألم أب ثاكل، وهو يداري مشاعره، يقف وحيدا يوم رحيل ابنته، بعد أن رفضت دولة إسرائيل السماح للأمّ أن تشاركه الحزن، الجثّة لم تُعْطى لهم بعد لدفنها، (قال لهم ضابط في الشاباك: "الأمر يتطلب وقتا").
هذا الواقع الذي نشأت به أشرقت، ومنه رحلت، أمّها عبلة، فلسطينيّة ولدت في الكويت، عمرها 46 سنة، عاشت في الأراضي المحتلة بدون تصريح مكوث، سنة2006، عندما كانت أشرقت في السابعة من عمرها، سافرت مع أمّها لزيارة والديها في الأردن، طه، الزوج، كان مُعتقلا في إسرائيل بسبب نشاطه في الجهاد الإسلامي، يقول طه: إن زوجته سافرت إلى الأردن بسبب ضغوط من المحققين لابتزاز معلومات منها.
فكّرت عبله أن تمكث في الأردن حتى يُطْلق سراح طه، ومنذ ذلك التاريخ مُنعَت من العودة إلى بيتها وإلى أبنائها الثلاثة، حتى لزيارة قصيرة، تسع سنوات أمضتها أشرقت بلا أُمّ، هذا هو الحكم على من يمكث في وطنه خلافا لقانون الاحتلال، بقيت أشرقت بدون والديها حتى أُطْلِق سراح والدها، في أواخر 2007، عاشت في بيت عمّها ياسين، أخو والدها، ثم انتقلت لتعيش مع أبيها بعد أن أطلق سراحه.
كان الأبناء، يُسافرون كلّ صيف إلى أمهم، وهكذا فعلوا في آخر صيف، سافر معهم، هذا الصيف، العم ياسين، الذي يتكلّم العبرية بطلاقة، يعرف رامات أبيب، بيتا بيتا، رمّم قسما من بيوتها، يعرف أين يعيش شمعون بيرس، وبروفيسور دافيد ليبائي، ويتباهى بمعرفته، بقي في الأردن شهرين مع أبناء أخيه، كانت أشرقت في الصف الحادي عشر في مدرسة قرطبة، في مخيّم عسكر القديم، القريب من مخيم عسكر الجديد، حيث تسكن عائلتها، تستعد لامتحانات البغروت الأولى، صورتها في محمول والدها: غطاء رأس أبيض، تحمل أوراقا بيدها، تلبس لباسا مدرسيا مزركشا، تلقي بواسطة مكبر صوت وعظا على طالبات المدرسة.
ماذا جرى صباح يوم الأحد؟ استيقظت حوالي الخامسة، لصلاة الفجر أطعمت قطتها، فلوزات، وضعت ماء للعصفور في القفص، سألت والدها عن صحته بعد توعّك في الليل، خرجت من البيت حوالي السابعة، لم تقل شيئا لأبيها عن خُطّتها. قال: لم يبدُ شيء من سلوكها يدلّ على ما كان متوقعا خلال وقت قصير.
بعد مرور ساعة ونصف، في حوالي التاسعة، سُمِع في المخيم عن محاولة طعن قامت بها فتاة، دهسها مستوطن، ثم أطْلقت النار عليها فقُتِلت، بعد وقت قصير اتصل بالأب، هاتفيا، شخص من الشاباك، سمّى نفسه زكريا، وطلب منه الحضور إلى مُعَسْكر حوّاره، وأكّد له أنه لن يُعْتَقل. خرج الأب مع أخيه حسن، وقد أحسّ أنه اسْتُدْعي بخصوص ابنته. شرح رجل الشاباك للأخوَيْن ما حدث وطلب منهما تهدئة الجو وعدم التحريض للانتقام، وقال: " يجب أن تسير الأمور إلى الأمام".
انصرف طه مسرعا ومصدوما، وترك أخاه حسن يتحدث مع رجل الشاباك، وبناء على ما يقول إنه أبدى أسفه، "جاءت الفتاة صباحا إلى المفترق وحاولت الطعن، دهسها مستوطن بسيارته، فوقعت ثم نهضت، وعندها أطلق النار عليها المستوطن والجندي فقتلاها". السائق الذي دهسها هو غرشون مسيكا، كان رئيسا للمجلس الإقليمي شومرون، اعتزل بعد أن اتُّهم بجرائم فساد في قضيّة يسرائيل بيتينو، تحوّل إلى شاهد ملكي، حاز على جائزة وزارة الثقافة القطرية من وزارة المعارف لعام 2012 ، ليست هذه المرة الأولى التي يدهس بها: في سنة 2001 دهس عابر سبيل فلسطيني عمره 90 سنة، وحكمت عليه المحكمة بالبراءة من تهمة القتل بالإهمال.
اتصلوا، من البيت، مع الأم في الأردن، يتلو علينا عطا الرسالة الأخيرة بين الأم وابنتها: "ماذا طبخت ؟؟" سألت الأم. فكتبت أشرقت: "استيقظنا باكرا على ضجيج الجيش الذي اقتحم المخيم، بدأت الانتفاضة، ليتنا نُمْضي السنة بسلام" ثم ودّعت الأم ابنتها بتحيّة السلام عليكم، كان هذا عشيّة موتها، يردد طه كلماتها الأخيرة وهو يخفي الدموع المترقرقة في عينيه.
يقول طه: كانت أشرقت تردد في السنوات الأخيرة أنها تتمنى أن تصل إلى المسجد الأقصى لتصلي به، "الاحتلال منعها من التواصل مع أمّها، ومن الصلاة في أكثر الأماكن المقدسة في بلادها"، كانت تُكْثر من مشاهدة عمليات الطعن واستشهاد منفِّذيها، وقال أيضا ،"لن أطلب، ولن أرجو الإسرائيليين، إذا أرادوا الحياة بسلام وأمان، أيضا أبناؤنا يريدون السلام والأمان"، ثمّ يُشير إلى زجاجة عصير على الطاولة ويقول: "هذه الزجاجة لها ثمن" ويعني أنّ للاحتلال أيضا ثمن، يضيف العم حسن : " يرى أبناؤنا ماذا يجري منذ حُرِقت عائلة دوابشه في دوما، ويرون سلوك المستوطنين الإرهابيين،وكيف يدعمهم الجيش، ليس هناك احترام لامرأة أو لشيخ، كلّ فلسطيني يحسّ بعمق الإهانة، كيف يدفعون نساءنا في الأقصى، في راس كل منّا تشتعل نار، هذه النار ليست لصالح الإسرائيليين ولا لصالحنا أيضا، .
"أنتم تعمّقون الكراهية" قال خالد أبو حاشي مواطن من المخيّم، قام ابنه نور الدين بتنفيذ عملية طعن جندي، قبل سنة، في محطة القطار هاغانا في تل أبيب، حتّى يومنا هذا لم يسمحوا له بزيارة ابنه في السجن ولو لمرّة واحدة، ويتوقّع الآن أن يهدموا له بيته، "لا يهمّني البيت، ما يهمّني ما ينشأ عليه ابناؤنا" كأب أعرف ما تتركه هذه الصور لدى أبنائنا، كيف سنعيش مع مثل هذه الكراهيّة؟" ويقول انه "رمّم كل بيوت رعنانا وكفار سابا، وكريات شاريت" وأنّه يحنّ، مثل كثيرين من الكبار في السن هنا، للأيّام الجميلة وللصداقة مع اليهود.
ترجمة: أمين خير الدين