يلاحظ مؤخرا ازدياد عدد الأخوات المتدينات العاملات في المجمعات التجارية والدكاكين ومحلات الشورما والبيتسا والمخابز وتنظيف البيوت. وهو عمل صعب ودخله زهيد، يكاد يصل إلى الحد الأدنى من الأجور. وتضطر بعضهن لتنظيف البيوت في حيفا. ثم يتعرضن للنقد من البعض لخطورة هذا العمل. او تظنون إنهن سعيدات بهذا العمل وبنظرات بعض الناس إليهن والى عملهن؟
أقول هذا مع احترامي لكل امرأة وفتاة تعمل لإعالة نفسها او بيتها او أهلها لان كسب العيش الحلال عبادة.
إنهن يعملن بدل ان يتعلمن. او لأنهن لم يتعلمن. ولو فسح المجال أمامهن للتعلم والدراسة وكسب مهنة لكان دخلهن أحسن وعملهن أسهل وربما اكثر تماشيا مع آداب الدين.
أرجح ان اغلبهن كن سيتعلمن. وما يمنعهن هو جو التهديد والتخويف الذي يخلق انطباعا ان الدين يناقض ويعارض تعليم الفتاة في المعاهد المهنية والكليات والجامعات. هذا الجو يتّخذه بعض الأهالي وخاصة الرجال الرجعيين الأنانيين والأمهات المستكينات حجة وعذرا لاستغلال بناتهم او لتوفير إقساط التعليم. او يراه بعض المتشددين او المتعصبين سببا لمنع فتياتهم من الدراسة.
وان كان قد حدث ذلك في السابق بسبب قصر نظر او بسبب عدم معرفة ما خبأه المستقبل من اضطرار المرأة للخروج للعمل، لان الحياة ازدادت طلباتها وتكاليفها ودخْل الزوج لوحده لم يعد يكفي لإعالة العائلة. فما العذر اليوم. ونحن نرى ما يحدث إمام أعيننا، وان المستقبل سيكون اكثر صعوبة وتكلفة.
ان تعليم الفتاة يكسبها مهنة مربحة ومريحة، ويجعلها آمّا اقدر على تربية أطفالها وإعدادهم للعلم والحياة. فالمرأة التي أنهت الإعدادية كما ينصح البعض، او الثانوية عشر كما يسمح الآخرون، لا تستطيع مساعدة أطفالها في داراستهم وحل واجباتهم المدرسية التي تزداد عبئا ومستوى، ولا على المشاركة في الحياة الاجتماعية المتنورة علميا وتكنولوجيا التي لا غنى عنها اليوم.
ما معنى ان يسمح للفتاة المتدينة بالدراسة في دار المعلمين فقط؟ وما معنى ان على ولي آمرها! ان يأخذها صباحا ويعيدها مساء بسيارته وتحت مراقبته؟ ولماذا لا يبقى معها يراقبها طيلة النهار؟ أيخشى عليها من المعصية في الباص لا سمح الله، ولا يخشى ذلك خلال النهار؟. أليس في ذلك تعذيبا وتصعيبا لها ولأهلها، وعدم ثقة بدينها الذي اختارته.
هل الفتاة او السيدة المتدينة التي اختارت الدين بكامل إرادتها وتعرف الحلال والحرام وتتمسك بآداب الدين تفرط بدينها وشرفها في الجامعة.؟ أليس الدين رادعا لها.؟ أليست واعية بنظركم؟ او لا تثقون بدينها وعقلها وشرفها؟ ان زيها ودينها يحرسها ويجلب الاحترام لها.
لماذا في الندوات الدينية لا تُشجع البنات والنساء على التعليم الجامعي؟ ولماذا لا يحثون الأمهات على تسهيل الدراسة لبناتهن.؟ فمتى يدعو الشيخ الواعظ او مسؤول الرئاسة الروحية عن الندوات الشهرية او الداعيات لهذه الندوات في المقامات، إلى العلم والدراسة واكتساب المهن. يجب بعد الترهيب من النار والترغيب بالجنة، التخويف من الجهل والحث على العلم.
إني أدعو مديري المدارس الثانوية إلى دعوة سواس المجالس والمشايخ المتشددين إلى جولة في المدارس لإطلاعهم على ما يجري فيها وللتعرف على هذا الجيل، وخاصة الفتيات، ليسمعوا ويعوا تطلعاتهم وتوجهاتهم ومشكلاتهم ليكونوا على وعي وعلم بها. ويتدارسوا معهم الحلول الملائمة عقلا ودينا.
لماذا لا تخصِّص أوقاف الخلوات وكل المقامات منحا دراسية لتشجيع التعليم للمتدينين والمتدينات، كما تفعل أوقاف الكنس والكنائس والمساجد.؟ ليس المهم مبلغ المنحة، بل ما يضفيه هذا التوجه من رفع قيمة العلم والتشجيع على اكتسابه.
إني أهيب بفضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الذي يشجع التعليم والذي تعلم في الجامعات وحاز على لقب دكتوراه شرف من جامعة حيفا ان يقيم يوما دراسيا لسواس المجالس في الجامعة لإطلاعهم على سير الأمور في الجامعات والكليات ليروا أنها ليست غولا وليست كما يتوهم البعض. وأناشد ايضا الشيخ يعقوب سلامة مدير دائرة الأقليات في وزارة الاديان ان يبادر لهذا الأمر. فليست المشاهدة بالعيان كسماع الإخبار بالزيادة والنقصان. عل الله يهدينا وإياهم إلى سواء السبيل.
كما أتمنى على المأذونين الدروز وهم الهيئة الدينة المنظمة وعلى قضاة المحاكم الدينية الدرزية الأفاضل وبعضهم مارس الحياة الجامعية ان يلقوا بثقلهم في دفع الطائفة إلى العلم والتقدم والتطور لما لهم من وزن وتأثير.
كما لي سؤال ورجاء. ما هو موقف حضرات رؤساء المجالس المحلية؟ اليس لهم ما يقولون؟ وانهم اكثر المسؤولين اهتماما بالعلم والتقدم والنهوض باحوال الطائفة. وبما لهم من امكانيات للقول والعمل.
كما انتظر من المنظمات النسائية ان كانت قائمة! والقائمة والتي ستقوم ان تتحرك فهذا اكثر ما يمسها واول مسؤولياتها.
لا يكفي ان يوافق الشيوخ على تعليم الفتاة على السُكّيت او بغض النظر. بل يجب ان يُسمعوا صوتا عاليا صريحا واضحا يحث على الدراسة العليا ويسهل الوسائل لذلك. هذا ان شئنا ان تبقى العشيرة المعروفية التوحيدية حية صامدة كريمة وفي مصاف الأمم والطوائف والشعوب الراقية، وعلى الخارطة البشرية .