عندما زارني الزّميل، الصحفي الكاتب زياد شليوط، ابن شفا عمرو التاريخ والحضارة، في مكتبي وأهداني نتاجه الأدبيّ الثالث بعنوان: "الجميلة قصص قصيرة جدا"، من إصدار مؤسسة الأفق للثقافة والفنون، سبق أن نشرها في الصحف المحلية ومواقع التواصل؛ عندها كتب لي إهداء يقول: إلى الكاتب والصديق العزيز معين أبو عبيد، كي يبقى الجمال قيمة سامية في حياتنا.
لا أنكر أنّ هذه العبارة هزّت مشاعري على قصرها، إنّها ليست مجرد عبارة! فهي تعني الشّيء الكثير، ليس لي فقط، وإنما لكل أصحاب الذوق الرفيع من حملة الأقلام، وكل إنسان متزن واقعي يقدر الكلمة، ويعي أثرها على رقي وتطوّر المجتمعات.
نعم، إنها عبارة صغيرة إلا أنها كقصصه قصيرة، لكنها كبيرة ومعبرة في مضمونها، معانيها، أهدافها وأبعادها، إن دلت على شيء فتدل على كاتب متمكن متألق وذي رؤية تربوية وأدبية يسرد بكل شجاعة، شفافية، ومصداقية، وبأسلوب راق، ما يدور ويجري من مشاهد هزلية مألوفة مؤلمة لواقع مجتمعنا الذي يزداد سوء يومًا بعد يوم، محاربا أشكال الجهل والسطحية والانسياق وراء المظهر والتلون، بصورة هزلية وبطابع وقالب أدبي قصصي يستحق التقدير، انصح محبّي الأدب بقراءة قصص المجموعة.
يقول الرّاوي في قصّة "الكلب" ص15: "أرسلوا كلبا ليتعقبني. عام كامل وهو يجري خلفي. يشمشم كل خطوة أخطوها بأنفه الأفطس. ينظر إليّ شُطُورا وكأنه يراقب من حولي أيضا. ينصب أذنيه الحمراوين لكل حركة تبدر مني. يمد بوزه الأفقم الضخم بين كل مجموعة أكون فيها. يحاول نهشي بأنيابه الحادة المسعورة. يجاهد ليمزق ثيابي بأسنانه الصفراء القلحاء. بعد عام فقد الكلب أعصابه وأصابه السعر، ونفذ صبر سيّده. نبح الكلب نباحًا لئيما في صباح اليوم الأوّل من العام الثاني وتبعني. شعرت بأنّ أنيابه تسبقه وأظافره تحفر الأرض وظهره يحدودب. لم يعد الكلب يقوى على كبت رغبته. ولم يعد السيّد يرضى بإهماله. فجأة وثب الكلب لينال منّي. اصطدم رأسه في جدار. خرّ على الأرض مغشيًّا عليه"
وفي قصّة بعنوان "الحمار"، ص16 يقول: "غدًا ستتحول إلى مدير المؤسسة التي اخترتك لإدارتها. ضحكة بلهاء علت وجه الأبله، فيما تابع السيد: وأريدك أن تكون مديرا فعلا تأمر وتنهي. تصول وتجول. تنهق وترفس. لا تأبه لأيّ مخلوق؛ لأنّ صلاحياتك من صلاحياتي، وشخصي وكرسيّي، هيا انقلع!
حا..حا.. سيّدي حا..
في اليوم التالي، دخل الأبله – المدير، ببذلته المخطّطة وياقته المعقودة، وأذنيه المنتصبتين. صار يختال وكأن ذيله يرقص خلفه. وقف الجميع وهم يمنعون ضحكاتهم من الانفلات "
رماح تقول، رحم الله امرءًا عرف مقدار نفسه. مجتمعنا في ألف ألف نعمة، أوضاعه مستقرة مرضية. نفتخر ونعتز بها وتزيدنا شموخا يوما بعد يوم. كيف لا ونحن نحارب كلنا معا وسوية مظاهر التلون والتّظاهر بالثقافة الذاتية ونعمل بإيمان وقناعة على دعم المقولة الرجل المناسب في المكان المناسب.
في ص 56 قصّة بعنوان "سينما"، من أجل الاختصار، لن أقتبس مقاطع منها ، وأكتفي بالقول: نعم، ربّما لم يحقق لها كلما رغبت، لكن الفكرة والرسالة والمغزى قد وصلت، وسنبقى، للأسف، نعيش أحلام اليقظة!!
نأمل لكاتبنا المزيد من العطاء المثمر.