لم يخطر ببالي أن أقف يوما في مثل هذا الوقت المبكر لأرثي أديبنا الكبير الغالي أبا إياس سلمان ناطور.
لم نتوقع رحيلا مفاجئا وقاسيا ومؤلما كهذا... لقد سقط علينا الخبر سقوط الصاعقة، فاهتزت القلوب بين الضلوع، وسالت من الأعين الدموع.
ولا عجب... لا عجب.. نعم
لا عجب إن حارت الأفكار فهو الذي بلورها بعمق بصيرته.
لا عجب إن ذبلت الأزهار فهو الذي أنعشها بعطر حروفه.
لا عجب إن ناحت الأطيار فهو الذي رافقها.... رافقها في طيرانها إلى قمم الحرية.
لا عجب إن حزنت الأشجار فهو الذي يشبهها.. فقد تعلمت منه المحافظة على الجذور الأصيلة والتمسك بالأرض الطيبة.
سلمان ناطور اسم سيخلده التاريخ كأديب، مسرحي، روائي ومفكر.
سلمان ناطور شعلة أضاءت دروب الأدب للعديد من الشعراء والأدباء الشباب، واليوم تنطفي هذه الشعلة جسدا، لكن شعاعها الروحي سيستمر في إنارة طريق الأدب على مدى الدهور.
مهما قلنا في هذه العجالة لن نعطي ابا إياس حقه، ولكن هذه الجموع الغفيرة أقبلت من كل حدب وصوب، من بعيد وقريب، تعتصر قلوبها الآلام، لتعطيه الحب والاحترام.
زحفت هذه الجماهير لتقدم العزاء والتقدير
لتقول لابي إياس لقد سارعت بالرحيل، فمجتمعنا بحاجة لأديب بحجم قامتك، بقدر مقامك. أهلنا بحاجة لمفكر مثلك ينير لهم الزوايا المظلمة.
ستبكيك الحروف أيها الكاتب الكبير.
ستفتقدك السطور والأوراق
ستسأل عنك المنابر والمسارح حين تشتاق
حين تشتاق لصوتك الهادر، الذي كان يطلق صرخة الحق.
في كل لقاء أدبي كنا نفخر بأننا من الكرمل الذي منه أنت.
في كل ندوة ثقافية كنا نفتقد سلمان ناطور فهو الاسم المطلوب، وهو الأديب المرغوب وهو الكاتب المحبوب.
كنا نفخر بك كسكان التلال الكرملية
كنا نعتز بك كأبناء الطائفة المعروفية
كنا نتباهى بك كأبناء الأمة العربية.
سلمان ناطور ليس كاتبا عاديا، لقد ارتقى بفكره إلى حدود الفلسفة، وعبر بأدبه عن واقع المأساة، ونادى بالحرية قولا وفعلا من أجل إظهار الحق وتحقيق العدالة والدفاع عن المظلوم. قلت كلمتك بشجاعة وأعلنت موقفك بوضوح.
أديبنا الغالي... رغم ألم الفراق نشكرك جزيل الشكر، فقد تركت لنا إرثا ثقافيا ثمينا، وفكرا منيرا نهتدي ونفخر به. لقد أتحفتنا بأدب جميل وفكر اصيل وكنت الإنسان بكل ما تحمله الكلمة. أحيانا أجبرتنا أن نضحك معك وأحيانا سعدنا أن نبكي معك... أشعلت فينا الحنين لتراث مضى وأيام وسنين.
فقيدنا الغالي... سر إلى جنات الخلد راضيا مرضيا، فقد أديت الرسالتين الأدبية والإنسانية على أحسن وجه بصدق وأمانة.
سر إلى جنات الخلد لتلتقي بسميح ونزيه ومحمود، وابلغهم السلام واعرف أن الأمة العربية والوطن والإنسانية عامة بحاجة إليكم الآن في هذه الأوقات العصيبة.
بحاجة لصوتكم الواضح الجلي في نصرة الحق ودعم الحرية.
إنها لخسارة لا تعوض ونحن إذ نعزي أنفسنا نتقدم بأحر التعازي القلبية لعموم الوسط العربي والأدب العربي وأفراد الاسرة الكريمة والزملاء والأصدقاء مبتهلين إلى الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح الجنان. إلى جنات الخلد يا ابا إياس.