سيدخل يوم الخميس القادم ابن قرية بيت جن السيد مجدي خطيب السجن بتهمة بناء إسطبل للخيول وبعض الغرف السياحية بشكل غير مرخص على أرض تابعة لعائلته والواقعة على بعد أمتار من مقام سيدنا بهاء الدين عليه السلام. مجدي خطيب لربما يكون الشاب الأول الذي يدخل السجن على أثر مثل هذه التهمة، ولكنه وبدون أدنى شك واحد من مئات الشباب الدروز الذين دفعوا ثمناً باهضاً انعكس بغرامات مادية فاقت مئات الآلاف من الشواقل، وفي كثير من الأحيان بملفات جنائية نتيجة لنفس القضية المتعارف عليها باسم قضية البناء وضائقة السكن التي تعاني منها كل القرى الدرزية في الجليل والكرمل.
ليس هنالك شك بأن المتهم الأول لوصول مجدي والمئات الآخرين من أبناء الطائفة إلى هذه الحال المزرية، هو وبدون أدنى شك الحكومة الإسرائيلية ولا سيما الحكومات الأخيرة برئاسة أحزاب اليمين والقوميين المتطرفين في العقدين الأخيرين، وتحديداً الحكومات الأخيرة برئاسة نتنياهو، التي تتجاهل قضايانا الملحّة بشكل دائم ومتعمّد، وأوّلها موضوع البناء والخرائط الهيكلية.
هذه الحقيقية ليست تصريحًا سياسيًّا، وإنما ادّعاء موثق بدراسات أكاديمية يمكن إثباتها، يوضح تغيير سياسة حكومات إسرائيل تجاه أبناء الطائفة؛ ففي حين تعاملت حكومات ماباي والمعراخ وحتى حكومات الليكود الأولى بقيادة بيغين وشامير بسياسة التوفيق accommodation، بات جليًّا أن الحكومات الأخيرة تتعامل معها من خلال سياسة التنافر dissonance. هذا التحول وبدون أدنى شك متعلق إلى حد كبير بتحول إسرائيل إلى قوة عظمى ليس فقط على مستوى المنطقة وإنما أيضاً على المستوى العالمي، ولربما أكبر قوة في العالم كما ادّعى كاتب هذه المقالة في كثير من المناسبات في الفترة الأخيرة، ناهيك عن أن الحكومة وإدارتها لا تشعران بحاجة ماسّة إلى حليف عسكري كأبناء الطائفة في ظل انهيار دول عربية وعلى رأسها سوريا.
من جهة أخرى تحتل قيادة الطائفة الدرزية على مستوياتها المختلفة السبب الثاني لوضع مجدي والمئات الآخرين من أبناء الطائفة. ولكن على عكس الأغلبية الساحقة التي تدّعي بأن هذه القيادة لا تستطيع تحقيق الكثير لأنها غير معنية، إلّا أنني أرى أنها لا تستطيع تحقيق الكثير لأنها لا تمتلك الكفاءات المناسبة لمعالجة قضايا كبيرة بهذا الحجم. لشرح ادعائي اسمحوا لي أن أتنازل عن عن تعريف هذه القيادة بألقاب كالقيادة الدينية والسياسية، وأن أركز في تحليل وصولها إلى مراكز القوى وأساليب عملها لنستنتج التالي:
1. فئة منها احتلت منصب اتخاذ القرار بعد خدمة طويلة في سلك الدولة ومؤسساتها، أو من خلال انتخابات وتعيينات داخلية في الأحزاب الكبيرة.
2. الفئة الثانية احتلت منصب اتخاذ القرار بالخلافة، ولطالما حاولت صبغها بألوان ديمقراطية بنفسجية.
3. أما الفئة الثالثة فقد تمكنت من ترسيخ مكانتها بدعم أعمى من أبناء عشيرتها وحمولتها خوفاً من استيلاء عشيرة أخرى على مراكز القوى.
هكذا نجد أن ما تعرف بالقيادة عند أبناء الطائفة الدرزية هي مُنزَلَة من قبل جهة أو مجموعة معينة، لتكون وظيفتها في الأساس وقبل كل شي المحافظة على مصالح هذه الجهة أو المجموعة وليس العكس. من جهة أخرى نلحظ غيابًا واضحًا لقيادة نشأت من العمل الميداني، أو بعد تحقيق إنجازات خدمت المصلحة العامة وهي ما تعرف بقيادات bottom-up. ليس صدفة أيضاً أن جلّ انشغال الفئة الأولى هو في مشاريع تصبّ في المكان الأول في مصلحة الدولة والشعب اليهودي، أما الفئة الثانية في مراسيم ومناسبات رمزية تقوي مكانتها، في حين يقتصر عمل الفئة الثالثة على مراضات الحلفاء الموالين. أما قضاينا الملحّة والتي بحاجة إلى رؤية واسعة كقضية البناء والمسكن فتبقى بدون أي علاج حقيقي ولا تتخطى تصريحات كبيرة على جرائد آخر الأسبوع والمواقع الإلكترونية.
من هنا نؤكد أن قضية إسطبل مجدي خطيب قضية المئات من أبناء الطائفة الدرزية الذين يعانون من سياسة الحكومة ومؤسسات التخطيط والبناء المجحفة اتجاههم، ومن قيادة فقيرة ذات رؤية ضيقة منشغلة بترتيب كراسيها على مسرح القيادة، وجلّ اهتمامها الحفاظ على مصالح الجهات التي تمثلها. ومن هنا أيضاً ومن غرفة الاستقبال المحاذية للمقام الشريف أضم صوتي إلى اللجنة المعروفية للدفاع عن الأراضي، أصدقاء مجدي من خيالة بني معروف، اللجنة المحلية للدفاع عن الأراضي في بيت جن، وأحث أبناء الطائفة الدرزية شباباً شيوخاً، صبايا ونساء، للانضمام إلى جميع الفعاليات في الأيام المقبلة وخلال فترة مكوث مجدي في السجن، للتعبيرعن يأسنا التامّ من سياسة الحكومة المجحفة وأتجاة قيادتنا الفقيرة والفاشلة، وعن مطلبنا الشرعي في العيش بكرامة دون غرامات وملفات جنائية، وحقنا في التطور الطبيعي في قرانا كمجموعة ثقافية ودينية مستقلة.