من اديباتنا اللواتي نحترم اقلامهن إبنة الناصرة الكاتبة ليلى حجة ، انجزت اكثرمن
إصدار في القصة القصيرة ، ثم رواية بعنوان " شمس في عصر الظلام " هي موضوعنا لهذا السياق .
حقيقة احترتُ أين أصنف هذا الكتاب من بين الأنواع الأدبية ، هل يدخل في باب
السيرة ، أم الرواية ؟ !
وانتهيتُ الى قرار ان هذا العمل هو خليط من السيرة والرواية ، فحدود السيرة هي
الأحداث الواقعة بين ولادة الشخص وموته ، او انتهاء دوره في مساحة هامة من
حياته ، وما كان له من ميزة تاريخية وميزة فردية .
وهذا ما فعلته ليلى حجة مع شخصية ظاهر العمر . وإن جئنا الى الرواية نجد شيئا
من الاركان السبعة المعروفة للرواية مثل الخيال والإيقاع .
في هذا العمل تتناول الكاتبة سيرة شخصية بارزة تواجدت على الخارطة السياسية
والاجتماعية زمن الحكم العثماني ، سيرة ظاهر العمر الزيداني منذ طفولته الى نهاية فترة حكمه ، الى مواقفه الحازمة والشجاعة ، الى الاصلاحات التي حققها ،
الى انقلابه على النظام السائد آنئذ ، ثم حروبه مع الاتراك وغيرها من الامور الجديرة بالذكر .
إن كل ما ذكرناه آنفا بخصوص ظاهر العمر يدخل في ادب السيرة ، أمّا الاوراق التي هي مزيج من الواقع والخيال فهي من سمات الرواية .. ومن هذه السمات بحيرة طبريا الجميلة اصلا ، تحملها الكاتبة المزيد من الجمال ، كما سنرى في القطعة التالية :
" في كل مساء يخرج القمر من خلف الغيوم هاربا من الشمس ، فرحا مرحا للسهر في سمائها ، ولا يحلو له السهر إلافوق هذه البجيرة حيث يأخذ معه النجوم لتغتسل في مياهها ، لتبدو جميلة وانيقة كل الليل "
ولا غرابة اننا لا نجد الكثير من الخيال عند ليلى حجة ، والسبب ان كتابها اتسم بالطابع التاريخي المشحون بالحقائق والاحداث ..ومن الاحداث البارزة معركة الحوْلة التي دارت بين ظاهر العمر ، والحاكم التركي عثمان باشا ، جرد الاخيرجيشا ضخما، ودارت معركة طاحنة أبدى فيها ظاهر العمر من الإقدام والشجاعة ما يبعث على الإعجاب ، عدته سيفه القاطع ، وحصانه الذي " عرف متى يكر ومتى يفر " حسب قول الكاتبة ..وهذه الجملة تذكرنا ببيت مشهور لامرئ القيس " مكر مفر مقبل مدبر معاً - كجلمود صخر حطه السيل من عل "
وتسفر هذه المعركة التي وقعت في آب سنة 1771 عن هزيمة الاتراك وانتصار ظاهر العمر.
من المعلوم ان المعارك والحروب من الموضوعات التي تشغل ذهن الجمهور وتثير فضوله ،لذلك يتوقع المتلقي ان يحصل على صورة وافية لمثل هذه الاحداث .. وهنا اتساءل : لماذا اختصرت الكاتبة في الحديث عن معركة الحولة الى هذا الحد ، وكأنها تمر عن حدث بسيط عابر ؟ ! علما ان كتابا بهذا الحجم من مئتين وثمانية واربعين صفحة هو قالَب يتسع لجيوش الكلام وادق التفاصيل .. أرجحُ ان سبب هذا التقتير يعود لكوْن الكاتبة لم توفق بالحصول على المعلومات الكافية عن المعركة ! ربما كان عليها الإنتظار حتى تكتمل لديها الصورة ، فيكون مصداقية لعملها .
من المشاهد الدرامية اللازمة لهذا العمل، رأينا سطوة الإقطاع ، وضريبة الميري التي أرهقت الناس ، وايام الفقر والجوع ، والوجه الحقيقي للحكم العثماني سام الأمة العربية الذل والجهل والإستغلال .. مشاهد مؤثرة ، والتاثير في الكتابة يُنظر
إليه باهتمام بمقياس النقد القديم والحديث
من الملامح التي شحنت هذا الكتاب بالحيوية ان الكاتبة وظفت حشدا من الشخصيات او الشخوص مختلفة المواقف والمقامات ، شخصيات محلية وإقليمية ،مما اتاح لنا التعرف على شيئ من انماط السلوك والتفكير في ذلك العصر .. وفي الحديث عن الشخصيات الروائية يتوجب على الكاتب ان يطلق للشخصية حرية التصرف على سجيتها ،وان لا يقيدها حسب رغبته .. احسستُ بأن الكاتبة أرهقت الشخصية المحورية ظاهر العمر ، فقد كان دائم الحركة والتفكير والتخطيط ، حتى تصورته يقول : إرحميني يا ليلى ، دعيني ارتاح قليلا ! !
تبيّن من خلال النص ان الكاتبة اُعجبتْ جدا بشخصية ظاهر العمر ، مما حدا بها ان تندفع للتحيز له تحيزا واضحا ، ولا تثريب في ذلك على مستوى القراءة العادية ، لكن في ميزان النقد كان ولا يزال التحيّز بغير صالح كُتّاب السير على مر الزمن ، فعلى سبيل المثال اتُهِم إبن زولاق بأنه تحيّزلابن طولون حين كتب في سيرته ..
وقيل أن أبا حيان عندما كتب " مثالب الوزيرين " وهي اقرب الى السيرة الأدبية ، أخفق في ان يمحو من الأذهان ما قام به من تحيز سافر !
من الملامح اللافتة في هذا الكتاب ما يعرف بسحر الأمكنة وما لها من منزلة في النفوس ، فقد ربطتْ الكاتبة بين الأحداث والأمكنة التي كانت مسرحا لبعض الاحداث التاريخية ، كمدينة شفاعمرو ، ما زالت قلعة ظاهر العمر قائمة فيها ، شاهدة على ذلك الزمن ، كذلك مرّت الكاتبة على أمكنة اخرى تاريخية ، عكا ،الناصرة ، حيفا ، صفد وطبريا . مما أضفى على كتابها طابع الواقعية ، والتي من صفاتها وصف كل شيئ طبق الواقع مع العناية باللفظ .
من البديهي في كتابةالاحداث بأسلوب ادبي ان تتوافربعض المكونات الأساسية ، كالمفاجأة والحبكة والتشويق .. استطاعت الكاتبة ان تحقق المفاجأة والحبكة ، لكن أداة التشويق كانت خجولة الظهور في بعض الاوراق ، وفي اماكن اخرى كانت ذات هيئة تغري بالمتابعة .
كلمة اخيرة ، ان كتابة الرواية ليست بالأمر السهل ، فهي تحتاج الى الكثير من العناصر الضرورية ، كالإستعداد والوقت والخبرة والاطلاع على الروايات العالمية .. وإذا اعتبرنا رواية ليلى حجة تجربة في عالم الرواية ، فهي تجربة مبشرة وجديرة بالتشجيع ، خاصة وأنها عمل إنساني من الدرجة الأولى .