تل أبيب - "تفانين" - أفتتح مساء يوم الأربعاء الموافق 9.9.09 مهرجان الفن العالمي في مدينة تل أبيب، بيانيلت الفن المعاصر، بمشاركة العشرات من الفنانين المحليين والعالميين وذلك تحت رعاية رئيس بلدية تل أبيب.
لأول مرة في تاريخ هذا المهرجان. تشاركت صالة العرض للفنون في أم الفحم، ممثلة بالفنان "سعيد أبو شقرة" في بناء وتصميم أحد المعارض في هذا المهرجان.
افتتح المعرض بحضور حشد كبير من الزوار الذين جاءوا من جميع أنحاء البلاد لهذا الحدث الفني والتاريخي المهم وأيضاَ العشرات من الفنانين ونقاد الفن من جميع أنحاء العالم الذين جاءوا ليشاهدوا العمال الفنية والتي تم إنشائها خصيصاً لهذا المهرجان
يقول الفنان "سعيد أبو شقرة": عندما دعيت لهذا المهرجان فكرت في نوع المعروضات أو الفنانين الذين أعرضهم فقررت أن أذهب إلى تل أبيب في هذا المعرض مع هويتي الفلسطينية والفحماوية وعرضت من خلال هذا المعرض الأرض المتمثلة بلوحات أخي "وليد أبو شقرة" وصور المفاحم التي تمثل رمزية تكوين هذا البلد منذ مئات السنين وأيضاً كبار السن من أم الفحم ووادي عاره، حيث أنهم يرمزون إلى الذاكرة الفردية والجماعية وعلاقة الأرض بالإنسان.
يجذر بالذكر أن القاعة التي خصصت لصالة العرض للفنون أم الفحم، غصت بالزوار وعشاق الفن الذين أبدوا اهتمام كبير قي لوحات الفنان "وليد أبو شقرة" وبحثوا سبل نقلها وعرضها خارج البلاد وبالأخص الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، خص الفنان "سعيد أبو شقرة" هذا المعرض بمقال يجمع فيه الذاكرة الإنسانية والشخصية وهذا هو:
**مكان للذاكرة- بقلم: سعيد أبو شقرة
احترت، بأي ذاكرة آتي هنا، إلى لب قلب تل أبيب. ذاكرتي الشخصية، أم تلك الجماعية أم ذاكرة البيت والمكان.
اخترت أن أستهل بداية بذاكرة طفولة تأخذني كلمح البصر إلى أزقة أم الفحم المعتمة وأنا أحمل مشعلاً وأتلمس لي ولأمي مريم طريق عبر شوارعها الموحلة الضيقة.
نحن في طريقنا إلى بيت خالي محمد على جبل اسكندر. لطالما وجدنا في كنفه ما يواسينا ويشجعنا على مواجهة مشقات العيش المادية والنفسية. هناك كنّا نتزود بالطاقة لنعود لشق طريقنا بذات المشعل وإلى ذات الغرفة الضيقة المظلمة حيث تسكن العائلة. جدتي بلقيس ومريم أمي ونحن، سبعة أطفال يتعرضون لصراع بقاء لا هوادة فيه.
واحدة من ذكريات طفولة أمي تعود بها إلى أيام اللّجون (مجدو) أيام ضياع البيوت والسهول والمحاصيل، أيام النزوح الهائل. البيت والأرض تركوها خلفهم.
وتأخذ الذاكرة أمي وإياي إلى زمن تفكك العائلة وتشتتها، حين كان والدها، رب العائلة وعمودها الفقري، يشق طريقه مع آلاف النازحين متجهاً نحو الشرق مختفياً للأبد وراء الغبار الذي خلفوه من ورائهم.
خمسون سنة مرت منذ ذاك الحين، وأنا لا أزال ذلك الطفل حامل المشعل، أجر العربة مع أمي التي تقدم بها السن والمرض. أقودها إلى بيتي لأعتني بها معها في أيامها العصيبة وربما الأخيرة.
وفي لمحة بصر أعود لذاكرتي الشخصية، ذاكرة الطفل حامل المشعل، ذاكرة أمي، ذاكرة النزوح والفرار والضياع. أتذكر روعة أمي وقدرتها العجيبة على الصمود، وأخشى أن تتلاشى هذه السمات، فأنصب كاميرا فيديو أمام سريرها لأوثق كل حركاتها، علني أقبض على الماضي والذاكرة معاً.
مئات الزائرين يترددون عليها لتحيتها، ربما آخر تحية، منهم من هو أكبر منها سناً ومنهم من أصغر منها، وكلهم يستعيدون الذكريات.
هم وهن يتحدثون عن العيش في القرى قبل التشريد وبعده. يحكون عن الفرار والضياع وعن الميراث والحضارة. يسترسلون في حديثهم عن تقاليد الفرح ووساطة التزويج والحناء والصلح وشرف العائلة، وعن ألعاب الطفولة والخرافات والحب وعلاقات الجيرة. عن تربية العائلة وعن الحرث والحصاد. يتغنون بحنين بتلك الصبايا اللواتي كن ينزلن جماعات إلى عين الماء أو لقطف الصبر والتين، ويسترجعون ذكريات العلاقة بين الأب والإبن وقيمة الإنسان ومكانة المرأة.
يتحدثون عن كل شيء من الذاكرة.
خمسة وعشرون شريط فيديو توثق ستة أشهر مفعمة بالحياة.
في هذه المدة القصيرة وحتى لم تقو أمي بعد على الصمود، وجدت نفسي أوثق من خلالها الحكاية الفلسطينية برمتها، تجربة الذاكرة والمكان.
قررت استحضار منظر أم الفحم العذري البدائي كما تصوره نقوش الفنان وليد أبو شقره، أخي ابن مريم، إلى جانب صور التقطها شاي ألوني الذي عمل على توثيق مسني أم الفحم ومعها الصور التي اصطاد من خلالها غاي راز "مفاحم" أم الفحم (مواقع إنتاج الفحم) والتي اشتق منها اسم البلدة قبل مئات السنين.
كلهم يحاولون وصل مفاصل الزمن والذاكرة.