يلعب المجلس الديني في حياة طائفة ثقافية-دينية كالطائفة الدرزية في البلاد دورًا مهمًا، ذا تأثير كبير على مجريات حياتها وتطورها في قضايا مهمة في الحاضر والمستقبل. مثل هذا الدور يزداد أهمية في ظل غياب مجلس مدني منتخب يعالج القضايا المدنية الخاصة بشؤون الطائفة، وفي ظل الانشقاق المستمر بين رؤساء السلطات المحلية الدرزية، الأمر الذي يؤدي إلى تمركز كل القضايا المدنية والدينية عند أعضاء المجلس الديني. ناهيك عن محاولات الحكومة الإسرائيلية تعزيز مكانة المجالس الدينية عند الأقليات بشكل عام، والتعامل معها من خلال المنظار الطائفي وليس القومي تحسباً لتطوير انتماء قومي-وطني عند هذه الأقليات، ما قد يشكل خطراَ على أمن الدولة على المدى البعيد.
من هنا، ونظراً لأهمية دور المجلس الديني في حياتنا وتطور طائفتنا علينا التعاون من أجل بناء مجلس ديني فعال، مركب من أشخاص ذوي كفاءات مناسبة للحفاظ علينا كمجموعة ثقافية-دينية من جهة، ويتحلون بالانفتاح الفكري ليسعوا بنا قدماً في قضايا العصر. ولكي نستطيع الحصول على مثل الإنجازات من المفروض وضع آلية نزيهة للانتخابات تسعى بنا لانتخاب مجلس يتوافق مع متطلباتنا وتأملتنا منه.
إحدى النقاط التي من المفروض معالجاتها في التركيبة القائمة، والتي بودي التركيز عليها في هذه الورقة، هي عضوية ما يقارب 12 شخصية في المجلس من قبل وزارة الداخلية، متسائلا للمرة الأف حول الهدف من وراء هذه التعيينات؟ ولماذا يجب أن يكون لوزارة الداخلية ممثلين داخل مجلس ديني يعالج أولا وأخيراً قضايا تهم الطائفة الدرزية؟
تعيين مثل هذا العدد داخل المجلس الديني لربما سيكون بمثابة المعقول فيما لو كان للطائفة الدرزية تمثيلاً أيضاً في المجلس الديني اليهودي، وأن مثل هذا التمثيل متبادل بين المجالس الدينية المختلفة لتقوية العلاقات بين الطوائف الدينية التي تعيش البلاد. ولكني على ثقة بأن مثل هذا التمثيل مفقود خاصة وكما سنلاحظ في الأسطر المقبلة بأن مثل هذا التمثيل يحمل في طياته الكثير من التفاهة.
ثانياً؛ مثل هذا التعيين لربما كان مناسباً في الفترة ما بعد وفاة الشيخ أمين طريف والمحاولات العصيبة التي مرت بها الطائفة كمحاولة تأسيس مثل هذا المجلس، ولكن بقاء مركبات ذات نواقص من هذا الشكل لا تضيف الكثير للسعي بنا قدماً، وإنما تدل على حاجة وجهاء الطائفة ومشايخها وأعضاء المجلس الديني إلى "أخ أكبر" لإدارة شؤونهم الداخلية.
تزداد التساؤلات حول مثل هذا التعيين كلما حاولنا فهم العلاقة بين مؤهلات هذه الشخصيات ووعيها في التعامل مع قضايانا الملحّة بشكل حقيقي، ولا سيما أن الهدف هو بناء مجلس فعال ومبادر. فما هو مدى اطلاع واهتمام ممثلي وزارة الداخلية على قضايانا الدينية الخاصة؟ وما هو مدى اهتمامهم في نقل قضايانا المصيرية؟ حتى وإن كانوا مطلعين عليها، فكيف لهم أن يعرفوا وجهات الرأي المختلفة داخل الطائفة اتجاه هذه المواضيع، وبتقييم أبعادها على أطراف مختلفة داخل المجوعة.
بُعدٌ آخر يجب أن نكون واعين له هو أن موقف ممثلي وزارة الداخلية ومواقفهم من قضايا يوجد بها تناقض بين مصلحة الطائفة ومصلحة الدولة، خاصة وأن مثل هذه القضايا آخذة في الازدياد، وفي كثير من الحالات تحتاج إلى اتخاذ موقف صارم ولربما معاكس. فمن الطبيعي جداً بأن يصوت ممثلي وزارة الداخلية بحسب رغبة الوزير والمسؤولين وليس بحسب مصلحة الطائفة في جميع القضايا المتعلقة بالمجلس بما فيها القضايا المناقضة لمصلحة الدولة وحتى في انتخاب الإدارة.
وإن كان لا بد من بقاء مثل هذا العدد داخل المجلس الديني، أليس من المناسب استبدال ممثلين عن وزارة الداخلية بمشايخ من قرى هضبة الجولان لتعزيز العلاقة بين أبناء الطائفة الواحدة وزيادة لحمة التواصل في ظل التطورات الأخيرة على الساحة السياسية السورية، والتعاون مع وجهاء القرى في قضايا ملحة وخاصة في قضية الانحلال الأخلاقي التي وصلت إليها بعض الفئات داخل مجتمعهم الأمر الذي يضاهي تصرفات أهل السامبا في البرازيل؟
وإذا كان تعيين 12 ممثلًا من قبل قرى الجولان دفعة واحدة بمثابة عملية جراحية معقدة، فما المانع من تعيين نصف هذا العدد من النساء وبذلك إعطاء تمثيل لنصف المجتمع داخل المجلس الذي تعامل مع الطائفة حتى اليوم وكأنها خالية من العنصر النسائي. مثل هذا التمثيل يمكن التقدم به حتى دون انتخاب بل من خلال تعينات مباشرة من مؤسسات دينية كمدرسة الإشراق والعرفان وغيرها والتي تعمل بها نساء من الدرجة الأولى في جميع المجالات، ناهيك عن دورهن من خلال هذه المواقع في نقل قضايا المرأة الدرزية ووضعها في المقدمة بشكل فعلي.
خلاصة الحديث، للمجلس الديني دور كبير في بناء ومستقبل مجتمعنا وطائفتنا في السنوات القريبة، ولأعضاء هذا المجلس دور كبير في تحديد مكانة هذا المجلس في المجتمع والطائفة. للمجلس أيضًا دور هام في معالجة قضايانا، ولهذا من المفروض أن يكون مركبًا من أعضاء ذوي كفاءة واطلاع عميق على قضايانا، وذوي قدرات مناسبة للحفاظ علينا كمجموعة ثقافية-دينية من جهة، والسعي بنا قدماً أمام تحديات العصر من جهة أخرى، أعضاء يرون بأنفسهم ممثلين لمجموعة داخل المجلس لا ممثلين لأنفسهم داخل المجلس. النقطة الواضحة من هذا المقال والتي لا غبار عليها أن وجود ممثلين من قبل وزارة الداخلية داخل المجلس الديني هو أمر مرفوض لجميع الأسباب التي ذكرت أعلاه، وإذا كان استبدال ممثلي وزارة الداخلية داخل المجلس بمشايخ من هضبة الجولان أو بنساء يمثلن النصف الآخر من مجتمعنا، فواضح أن التخلي عن ممثلين من هذا النوع هو الحل الأفضل لتقدمنا نحو مجلس مبني على النزاهة، نفتخر به جميعاً.